إن الدول والمنظمات تقوم على أساس هيكليات واضحة المعالم، تتوزع فيها المهام على لجانٍ ووحدات اختصاص متنوعة تندرج أعمالها ضمن ثلاثة عناوين مركزية: الشورى والقرار-الإشراف- والتنفيذ.

وفي هذا السياق يأتي وجود الحقائب الوزارية على مستوى الدولة والوحدات التخصصية على مستوى المنظمات والمؤسسات، التي تشكل دليلًا واضحًا على أهمية مبدأ الشورى، فجوهر عمل الوزارات والوحدات التخصصية يقتضي أن تبحث الملفات والمهمات التي تقع ضمن اختصاصها بناء على الخبرات التي تتوفر فيها، لتقديم المقترحات المناسبة في تحقيق الأهداف بالتناغم مع الإمكانيات المتاحة، وبمعنى آخر تقديم المشورة لصاحب القرار الذي لا يستطيع عادة أن يجمع كل الخبرات المطلوبة من أجل اتخاذ القرار الصائب في شتى المجالات. 

وعلى الصعيد الفردي يكاد لا يمر يوم إلا ونتخذ فيه العديد من القرارات التي ترتد آثارها على مسار حياتنا، واللافت أن الكثير من هذه القرارات تصدر عنا بطريقة شبه أوتوماتيكية نظرًا لتكرر المسألة موضع القرار أو الخيار، وبسبب مرورنا بالكثير من التجارب السابقة التي أثبتت لنا جدوى هذا القرار دون سواه. لكن حينما نصادف أمرًا جديدًا لا يقع ضمن مجال خبرتنا واختصاصنا فنحن أمام أمرين، إما أن نأخذ قرارًا اعتباطيًا قد يرتب علينا تبعات نعيش آثارها مدى حياتنا، وإما أن نلجأ إلى أهل العلم والاختصاص طلبًا لمشورتهم وسعيًا للوصول إلى القرار الصائب.

إن الشورى أمر حث الله تعالى رسوله عليه في سورة آل عمران بقوله: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ سورة آل عمران/159. والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم كان نِعم القُدْوَةُ لنا في هذا الشأن، فلطالما استشار صحابته الكرام في ما لم يرد به نص أو لم يأتِ به وحي، حتَّى ورد أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: “ما رأيت أحدًا أكثر مُشاورةً لأصحابه مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

ونحن اليوم من المفيد لنا أن نعمل بمبدإ المشورة، عملًا بما علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن المشورة لها أهلها. فمن أراد أن يستشير لا بد أن يبحث عن صاحب علم وفهم وحلم وأمانة، فالعلم مفتاح رشاد الحكم والرأي، لأن من تعلّم علم الدين يراعي في حكمه ورأيه أولًا ما أمر الله تعالى به وما نهى عنه، والفهم هو كميزان يساعد على الإحاطة بمختلف أبعاد الأمر كي لا يبنى الرأي أو تبنى المشورة على نقص، والحلم كمصباح للعقل ينير للحليم درب النجاة ويبعده عن ظلمات الغضب وعواقبه، والأمانة هي كحصن ودرع لك كطالب للمشورة، فالخائن قد يشير عليك بما فيه التهلكة.

أخي لا تحرم نفسك من نفع المشورة من أهلها، فلقد قيل من شاور الناس شاركهم عقولهم، واعلم أن كثيرًا من الناس يحرمهم الكِبْر والغرور من طلب المشورة، فيعملون ويخوضون بما لا يعلمون فيكون حالهم غالبًا التخبط والضياع، اللهم أجرنا من هذا الحال، آمين.█