الحمد لله رب العالمين ونصلي ونسلم على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

أما بعد فإن مما يحكى من قصة من تاب ممن قبلنا قصة مالك بن دينار رضي الله تعالى عنه، فقد سئل عن أصل توبته فقال: “ولد لي بنت فشغفت بها، فلما دبت على الأرض ازدادت في قلبي حبًا، فكانت إذا وضعت المسكر جاءت إلي وجاذبتني إياه فوقع على ثوبي، فلما تم لها سنتان ماتت فحزنت كثيرًا وبت ثملًا من الخمر. فرأيت في المنام كأن أهل القبور قد خرجوا وحشر الخلائق وأنا معهم في موقف الحشر، فسمعت حسًا من ورائي فالتفت فإذا أنا بتنين عظيم، وهو ثعبان كبير من أعظم ما يكون، أسود أزرق -منظره مخيف- وقد فتح فاه مسرعًا نحوي، فمررت بين يديه هاربًا فزعًا مرعوبًا، فمررت في طريقي بشيخ نقي الثياب جميل الخلقة طيب الرائحة فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت له: أجرني وأغثني، فقال: أنا ضعيف وهذا أقوى مني، وما أقدر عليه ولكن مر بأسرع فلعل الله سبحانه يسبب لك ما ينجيك منه، فوليت هاربًا على وجهي فصعدت على شرفٍ من شرف القيامة فأشرفت على طبقات النيران فنظرت إلى هولها فكدت أهوي فيها من فزعي من التنين وهو في طلبي، فصاح بي صائح: ارجع لست من أهلها، فاطمأنيت إلى قوله ورجعت.

رجع إلى الوراء، ورجع التنين في طلبه فقال: فأتيت الشيخ فقلت: يا شيخ سألتك أن تجيرني من هذا التنين فلم تفعل، فبكى الشيخ وقال: أنا ضعيف، ولكن سر إلى هذا الجبل فإن فيه ودائع المسلمين -يعني أولاد المسلمين الذين يموتون وهم صغار- فإن كان لك فيه وديعة فستنصرك، فنظرت إلى جبل مستدير فيه كوًى مخرقة وطاقاتٍ معلقة وستور من حرير ومصارع من الـذهـب الأحـمـر مفصلـة بـالـيواقـيـت مكوكـبة الـدر وهربـت إلـيه والـتـنـيـن ورائي حتى إذا اقتربت منه، صاح بعض الملائكة ارفعوا الستور وافتحوا المصاريع وأشرفوا فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوه، فإذا الستور قد رفعت والمصاريع قد فتحت، فأشرف علي أطفال بوجوه كالأقمار وقرب التنين مني فتحيرت في أمري، فصاح بعض الأطفال: ويحكم أشرفوا كلكم فقد قرب منه، فأشرفوا فوجًا بعد فوج فإذا بابنتي التي ماتت قد أشرفت علي معهم. فلما رأتني بكت وقالت: أبي والله -أي تحلف هذا أبي- ثم وثبت كرمية السهم، حتى مثلت بين يدي، فمدت يدها الشمال إلى يدي اليمنى فتعلقت بها، ومدت يدها اليمنى إلى التنين فولَّى هاربًا ثم أجلستني وقعدت في حجري وقالت: يا أبت ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾   ســورة الــحــديــد/16، فبكيت وقلت: يا بنية أنتم تعرفون القرءان؟ فقالت: يا أبت نحن أعرف به منكم، قلت: فأخبريني عن هذا التنين الذي أراد أن يهلكني، قالت: ذلك عملك السوء قويته -لكثرة ما كان يقع في المعاصي وشربِ الخمر- فأراد أن يغرقك في نار جهنم، قلت: أخبريني عن الشيخ الذي مررت به في طريقي قالت: يا أبت ذلك عملك الصالح أضعفته حتى لم يكن له طاقة لعملك السوء. فانتبهت فزعًا فلما أصبحت فارقت ما كنت عليه وتبت إلى الله عز وجل، وهذا سبب توبتي”.

والحمد لله رب العالمين.█