الـحـمد لله رب العالـمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الـحسن صلوات الله البر الرحيـم والـملائكة الـمقربين على سيدنا مـحـمد وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وسلام الله عليهم أجمعين.  

أما بعد، فقد تكلمنا في العدد السابق عن صفات الله تعالى الواجبة له، وتناولنا ست صفات من الصفات الثلاث عشرة والآن سنكمل الحديث عن باقي الصفات.

الصفة السابعة: الإرادة

من صفات الله الواجبة له الإرادة وهي بمعنى المشيئة قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)﴾ سورة التكوير، والمشيئة هي تخصيص الممكن العقلي بصفة دون صفة وبوقت دون آخر. ومشيئة الله شاملة لجميع أعمال العباد الخير منها والشر، فالعبد إن فعل الخير فهو بمشيئة الله وقدرته وإن فعل العبد الشر فهو أيضًا بمشيئة الله وقدرته ولكن لا توصف مشيئة الله بالشر، خلق الشر في العبد ليس شرًا من الله وإنما الذي يوصف بالشر العبد الذي فعل الشر. تقريب ذلك لو سأل سائل: من خلق الخنزير؟ فالجواب: الله تعالى. الخنزير في نفسه قبيح لكن خلق الله له حسن ليس قبيحًا.

والدليل العقلي على وجوب المشيئة له سبحانه وتعالى هو أن الله لو لم يكن مريدًا شائيًا لكان مجبورًا والمجبور عاجز والعاجز لا يكون إلهًا.

الصفة الثامنة: العلم

يجب لله العلم، والله يعلم بعلم أزلي أبدي كل الأشياء، يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ (29)﴾ سورة البقرة.

وعلم الغيب جميعه خاص بالله تعالى، قال الله تعالى: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ﴾ سورة الأنعام/59. وقد يطلع الله بعض خلقه على بعض الغيب كالأنبياء والأولياء. ومن الضلال أن يقال: إن الرسول يعلم كل شىء، لأن في هذا الكلام جعل الرسول مساويًا لله في صفة العلم وهذا تكذيب لله تعالى فقد قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ سورة الشورى/11، وقال تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾ سورة الإخلاص، ثم هذا الكلام تكذيب للنبي نفسه، أليس النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: يا رسول الله، أي البقاع خير؟ قال: “لا أدري قال: فأي البقاع شر؟ قال: “لا أدري رواه البيهقي، فهذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يعلم كل شىء.

الصفة التاسعة: السمع

يجب لله السمع فهو تعالى يسمع بسمع أزلي أبدي كل المسموعات بلا أذن ولا آلة أخرى قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11)﴾ سورة الشورى، وأما سمع المخلوقات فهو حادث مخلوق. ودليل وجوب السمع له عقلًا أنه لو لم يكن متصفًا بالسمع لكان متصفًا بالصمم، والصمم: ذهاب السمع وهو نقص، والنقص عليه محال.

الصفة العاشرة: البصر

يجب لله البصر فالله تعالى يرى المرئيات برؤية أزلية أبدية، قال تعالى: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11)﴾ سورة الشورى. وبصره تعالى لا يشبه بصر المخلوقات لأنه تعالى يرى جميع الـمبصرات من غير حاجة إلى حدقة ولا إلى شعاع ضوء، أما بصر المخلوقات فهو بآلة. والدليل على ثبوت البصر له عقلًا أنه لو لم يكن بصيرًا رائيًا لكان أعمى، والعمى أي عدم الرؤية نقص على الله، والنقص عليه مستحيل.

الصفة الحادية عشرة: الكلام

الكلام صفة واجبة لله تعالى فهو تعالى متكلم بكلام أزلي أبدي لا يشبه كلام المخلوقين ليس لكلامه ابتداء ولا يطرأ عليه سكوت أو تقطع لأنه ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغة، وأما كلام المخلوقين فهو بحرف وصوت وبآلات. قال الله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)﴾ سورة النساء، فنعتقد أن موسى عليه السلام سمع كلام الله الأزلي الذي ليس حرفًا ولا صوتًا ففهم منه موسى ما فهم، فكلام الله أزلي، وموسى وسمعه حادثان. وكلامه تعالى الذاتي ليس حروفًا متعاقبة ككلامنا قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: “ويتكلم -أي الله- لا ككلامنا. ونحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف والله متكلم بلا آلة ولا حرف”. واعلم أن القرءان يطلق ويراد به الكلام الذاتي الذي هو صفة قائمة بذات الله أي ثابتة له ويطلق ويراد به اللفظ المنزل على سيدنا محمد وغيره من الأنبياء، ومن أوضح الأدلة في بيان أن القرءان يطلق ويراد به اللفظ المنزل قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ﴾ سورة الفتح/15. فالكفار يريدون تبديل اللفظ المنزل وتحريفه لا الصفة الذاتية لأنه ليس في استطاعتهم أن يغيروا صفة الله الذاتية كالكلام والقدرة وغيرهما.

والدليل على صفة الكلام له عقلًا أنه لو لم يكن متكلمًا لكان أبكم لا يتكلم والبكم نقص والنقص مستحيل على الله.

الصفة الثانية عشرة: الحياة

يجب لله تعالى الحياة فهو حي لا كالأحياء فحياته تعالى أزلية أبدية ليست بروح ولحم ودم، وأما حياة المخلوقين فهي باجتماع  الروح والجسد واللحم والعظم والدم. قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ سورة البقرة/255. 

والدليل على وجوب الحياة لله وجود هذا العالم فهو علامة على وجوده سبحانه، لأنه لو لم يكن حيًا لم يوجد شىء من العالم لأن من ليس حيًا لا يتصف بالقدرة والإرادة والعلم ولو كان الله تعالى غير متصف بهذه الصفات لكان متصفًا بأضدادها وضد هذه الصفات نقص والله يستحيل عليه النقص.

الصفة الثالثة عشرة: المخالفة للحوادث

يجب لله أن يكون مخالفًا للحوادث بمعنى أنه لا يشبه شيئًا من خلقه، قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11)﴾ سورة الشورى، وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في بعض رسائله في علم الكلام: “أنَّى يشبه الخالق مخلوقه” معناه لا يصح عقلًا ولا نقلًا أن يشبه الخالق مخلوقه، فالله تعالى منزه عن الشكل والهيئة والصورة والكمية والكيفية لأنها من صفات المخلوق، قال الإمام أبو سليمان الخطابي: “إن الذي يجب علينا وعلى كل مكلف أن يعلمه أن ربنا ليس بذي صورة ولا هيئة فإن الصورة تقتضي الكيفية وهي عن الله وعن صفاته منفية”. والدليل العقلي على مخالفته تعالى للخلق أنه لو كان يشبه شيئًا من خلقه لجاز عليه ما يجوز على الخلق من التغير والتطور والعجز والضعف والمرض ولو جاز عليه ذلك لاحتاج إلى من يغيره من حال إلى حال والمحتاج إلى غيره لا يكون إلهًا فوجب أن يكون غير مشابه لشىء من المخلوقات.

الله تعالى موصوف بكل كمال يليق به وهو منزه عن كل نقص في حقه أي منزه عما لا يليق به تعالى كالجهل والعجز والمكان والحيز واللون والحد. قال الإمام أبو جعفر الطحاوي: “تعالى -يعني الله- عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات” أي لا تحوي الله تعالى الجهات الست كما تحوي جميع الأحجام، إذ الأحجام لا تخلو عن التحيز في إحدى الجهات الست، لأن الحجم لا بد أن يكون في مكان. والجهات الست هي فوق وتحت ويمين وشمال وأمام وخلف. والله تعالى منزه عن الحجم فإذًا الله تعالى موجود بلا مكان ولا جهة.

صفات الله كلها كاملة

صفات الله تعالى كلها كاملة قال الله تعالى: ﴿وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ﴾ سورة النحل/60، أي الوصف الذي لا يشبه وصف غيره، وقال تعالى: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ سورة الأعراف/180، معناه أن لله تعالى الأسماء التي تدل على الكمال، فلا يوصف الله بصفة ولا يسمى باسم دال على النقصان. فمن هنا يعلم أن آه ليس اسمًا من أسمائه تعالى لأن آه اسم وضعته العرب للتوجع والشكاية فلا يليق أن يوصف الله به، وكذلك لا يسمى الله روحًا ولا يسمى بالقوة الخارقة ولا الريشة المبدعة لأن هذه الأسماء والأوصاف تدل على نقص فلا يوصف الله بها.

قال علماء التوحيد: ما أطلقه الله على نفسه أطلقناه عليه وما لا فلا، وقالوا: لا تثبت الصفة لله إلا بالقرءان أو الحديث الثابت المتفق عليه أو بإجماع الأمة كإطلاق القديم على الله فإنه لم يرد على الله في القرءان ولا في الحديث إنما ورد إطلاقه على صفة الله فقد روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال: “أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم فقال العلماء: إذا جاز إطلاقه على صفة الله جاز إطلاقه على ذاته سبحانه وتعالى.

والحمد لله رب العالمين.█