الحمد لله حمدًا كثيرًا على نعمة الإسلام التي حبانا الله بها، وأصبحنا بفضله مسلمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

وبعد، فإن ديننا الإسلامي الحنيف الذي شرع لنا كل الشرائع، وهو لنا خير وازع، أقام قواعد التربية الفاضلة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتقوى الله تعالى، لتتم تربية المسلم على أنبل معنى، وأكمل غاية، حتى ينشأ المجتمع على التعاون المثمر، والترابط الوثيق، والأدب العالي، والمحبة المتبادلة.

فالأخلاق هي مجموعة من الأفعال والأقوال الحميدة التي وردت في الشريعة الإسلامية من أجل بناء مجتمع أخلاقي فاضل، وهي عنوان الشعوب، وقد حث عليها القرءان والسنة، فهي أساس الحضارة، ووسيلة للمعاملة بين الناس، وللأخلاق دور كبير في تغيير الواقع الحالي إلى الأفضل إذا اهتم المسلم باكتساب الأخلاق الحميدة والابتعاد عن العادات السيئة، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما بُعثت لِأُتَمِّمَ مكارِمَ الأخلاق رواه البزار.

إن التحلي بالأخلاق الحسنة والبعد عن الأخلاق السيئة والآثام يؤديان بالمسلم إلى تحقيق الكثير من الأهداف النبيلة، منها سعادة النفس، وهي ترفع من شأن صاحبها، وتقرب الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع وهي طريق الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، وقد وصف الله عز وجل رسوله الكريم بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾ سورة القلم، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت لما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم: “كان خلقه القرءان”.

فهناك كثير من الآيات والأحاديث التي تتحدث عن القيم الإسلامية وأهميتها ولذلك أقول على سبيل الإجمال:

علمني إسلامي الصبر على الأذى والمكاره والظلم، فلا نجاح في الدنيا ولا فلاح في الآخرة إلا بالصبر، ولا تحقق الآمال ولا تنجح المقاصد إلا بالصبر، فهو طريق المرسلين والأنبياء الذين نالوا به أعلى الدرجات والمنازل، وقد قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَىْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رِّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)﴾ سورة البقرة.

علمني إسلامي العفو، فقد رغب الإسلام بالعفو والصفح عمن ظلم، وكبح هوى النفس عن الميل إلى الانتقام والثأر، قال الله عز وجل: ﴿وَجَزآؤا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)﴾ سورة الشورى، وقال الله تعالى جامعًا خصال الخير لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)﴾ سورة الأعراف.

علمني إسلامي الحلم، والحلم هو ضبط النفس عند الغضب، والصبر على الأذى، من غير ضعف ولا عجز ابتغاء مرضاة الله، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بالتحلي بالحلم في تعاملهم، وذلك واضح في ما رواه النسائي في السنن الكبرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعوه وأهريقوا على بوله دلوًا من ماءٍ أو سجلًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين” رواه البخاري.

علمني إسلامي أن أبر والدي، فقد حث القرءان الكريم والسنة المطهرة الشريفة على بر الوالدين وأداء حقوقهما أحياء وأمواتًا، فإن ذلك من الأسباب الجالبة للسعادة الدنيوية والأخروية، قال الله عز وجل: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ سورة العنكبوت/8، وقال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23)﴾ سورة الإسراء.

علمني إسلامي أن أصل رحمي، بأن أحسن إلى أقاربي من ذوي النسب والأرحام، بزيارتهم والتعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم، وإن بعدوا هم أو أساؤوا لي، قال تعالى: ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)﴾ سورة الروم.

علمني إسلامي أن أعبد الله وأن أذكره كثيرًا فإن ذكر الله دواء، ونهاني عن ذكر الناس بالسوء فإنه داء، فإن ابن آدم لن يصيب حقيقة الإيمان حتى لا يعيب الناس بعيب هو فيه وحتى يبدأ بإصلاح العيب من نفسه -أي لا يكون مؤمنًا كاملًا تقيًا-، فإذا فعل ذلك كان شغله في خاصة نفسه، وأحب العباد إلى الله من كان هكذا.

علمني إسلامي أنه إن ضَعُفْتُ عن الخير أن أُمْسِكَ عن الشر، وإن لم أستطع أن أنفع الناس أمسك نفسي عنهم، ولا آكل لحومهم، فقد حرم الله عز وجل الغيبة في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال في كتابه:  ﴿وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ سورة الحجرات/12. وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة عنه: “أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: “ذكرك أخاك بما يكره“، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: “إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته رواه مسلم، أي ظلمته وافْتَرَيْتَ عليه.

علمني إسلامي الرحمة، وحب المساكين والفقراء ومجالستهم والتصدق عليهم، والتعطف على اليتامى، والإحسان إلى الجار والتواضع، قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا (36)﴾  سورة النساء، وقال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ(215)﴾ سورة البقرة.

أخي القارئ، إن من قرأ القرءان وتدبره وتعقل ما فيه علم أن القرءان يدفع النفوس إلى الكمالات، ويملؤها بعظم الهمة، وإذا رأينا من بعض قرائه هممًا ضئيلة، ونفوسًا خاملة، فلأنهم لم يتدبروا آياته، ولم يتفقهوا في أحكامه.

أسال الله تعالى أن يجعل القرءان ربيع قلوبنا وجلاء لصدورنا، وأن يعلمنا ما جهلنا وينفعنا بما تعلمنا إنه على كل شىء قدير.█