هو أبو عبد الله، وقيل أبو عبد الكريم، وقيل أبو عمرو، بلال بن رباح، مولى أبي بكر الصديق، أمه حمامة وكانت أمة لبعض بني جمح. 

كان من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله، وشهد بدرًا وأُحُدًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول من أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان خازنه على بيت ماله، ففي “صفة الصفوة” لابن الجوزي عن أبي عبد الله الهوزني أنه قال: لقيت بلالًا فقلت: يا بلال، حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما كان له شىء، كنت أنا الذي ألي له ذلك منذ بعثه الله عز وجل حتى توفي، وكان إذا أتاه الرجل المسلم فرآه عاريًا، يأمرني أنطلق فأستقرض وأشتري البردة فأكسوه وأطعمه.

حدث عن بلال عبد الله بن عمر وأبو عثمان النهدي وابن أبي ليلى وأسامة بن زيد وأبو إدريس الخولاني وسعيد بن المسيب وآخرون غيرهم.

مناقبه

هو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة الذين كانوا أول من أظهروا إسلامهم وهم: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وبلال وصهيب وعمار بن ياسر وأمه سمية وخباب، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فحماه عمه أبو طالب، وأما أبو بكر فحماه قومه، وأما الباقون فأخذوا وألبسوا الحديد ووضعوا في الشمس، فكان بلال رضي الله عنه أحدهم، وقد كان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، فيقول بلال رضي الله عنه وهو في ذلك البلاء: أحد أحد. وجعل أمية في عنقه حبلًا وأعطاه صبيان مكة فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو لا ينفك يقول: أحد أحد.

وفي “صفة الصفوة” لابن الجوزي أيضًا عن عروة بن الزبير، عن أبيه أن ورقة بن نوفل كان يمر ببلال، وهو يعذب فيقول له: أحد أحد يا بلال، ثم أقبل على أمية بن خلف وهو يصنع ذلك ببلال فقال ورقة له: “والذي نفسي بيده، لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانًا -أي موضع بركة ورحمة فأتمسح به متبركًا-“.

وفي “سير أعلام النبلاء” أن أبا بكر رضي الله عنه مر ببلال وهو يعذب، فقيل له: اشتر أخاك بلالًا، فاشتراه بخمس أواقٍ ذهبًا، وقيل بأربعين أوقية ثم أعتقه لله، فقالوا لأبي بكر رضي الله عنه: لو أبيت أن تشتريه إلا بأوقية لبعناكه، فقال رضي الله عنه: لو أبيتم إلا مائة أوقية لاشتريته.

وكان عمر بن الخطاب يقول: “أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا -يعني بلالًا رضي الله عنه-“، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث في الثناء عليه وذكر فضائله، وفي مستدرك الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بلال سابق الحبش”.

وكان بلال رضي الله عنه أول من أذن يوم الفتح، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة فاتحًا أمر بلالًا رضي الله عنه أن يؤذن على ظهر الكعبة فأذن على ظهرها، وفي “حلية الأولياء” لأبي نعيم وفي الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم المرء بلال ولا يتبعه إلا مؤمن وهو سيد المؤذنين، والمؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة.

ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، عزم بلال رضي الله عنه على المرابطة في بلاد الشام، فجاء إلى الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه يستأذنه في الخروج إلى الشام فلم يأذن له بذلك، فقال له بلال: أأعتقتني لله أو لنفسك؟ قال: لله، فقال: فأذن لي حتى أغزو في سبيل الله، فأذن له، فخرج إلى الشام ومكث بها إلى وفاته.

وجاء في طبقات ابن سعد أن بني أبي البكير جاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، زوج أختنا فلانًا، فقال لهم: “أين أنتم عن بلال؟”، ثم جاؤوا مرة أخرى فقالوا: يا رسول الله، زوج أختنا فلانًا، فقال: “أين أنتم عن بلال؟ أين أنتم عن رجل من أهل الجنة؟ فزوجوها بلالًا رضي الله عنه.

بعض أخباره

من ذلك ما رواه الذهبي في سيره في ترجمة بلال، وهي أنه لما كان في الشام رأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: “ما هذه الجفوة يا بلال، أما آن لك أن تزورني” فانتبه من نومه حزينًا، فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له: نشتهي أن نسمع أذانك، فعلا السطح ووقف، فلما قال: الله أكبر الله أكبر، ارتجت المدينة، فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ازدادت رجتها، فلما قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، خرج العواتق من خدورهن، فما رؤي يوم أشد بكاءً بالمدينة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم.

فهذه القصة تدل على أن بلالًا رضي الله عنه قد تبرك وتمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، وتدل على جواز هذا العمل إذ فعله صحابي جليل بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وأثنى عليه الثناء الحسن الكثير. ولم ينكر عليه أحد هذا الفعل.

وفاته

كانت وفاته رضي الله عنه في بلاد الشام سنة عشرين للهجرة على قول ابن سعد في طبقاته وكثيرين غيره كأبي إسحاق وأبي عمر الضرير، قالوا: توفي سنة عشرين بدمشق، وقال ابن زيد: توفي بداريا سنة عشرين وحمل منها إلى دمشق ودفن بباب كيسان، وقيل: إنه دفن بباب الصغير بدمشق.

ولما حضرته الوفاة رضي الله عنه قال: غدًا نلقى الأحبة، محمدًا وحزبه، فتقول زوجته: وا ويلاه، فيقول: وافرحاه.

رحم الله مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح، ورضي عنه وحشرنا الله تعالى في زمرته… آمين. █