هل يمكنك تخيل أكثر مسافة يمكن لأحدٍ منا اليوم أن يصل إليها تحت سطح الأرض؟ وبعد ذلك هل يمكنك تصور أن هناك من يعمل يوميًا على هذا العمق؟ نعم، إنهم عمال المناجم! فالعديد من المعادن كالذهب والنحاس والعديد من المواد الأولية التي نحتاج إليها في حياتنا اليومية كالغاز والبترول موجودة في أعماق الأرض! فالبترول نستطيع الحصول عليه من خلال الآلات الثاقبة، أما المعادن فالوسيلة للحصول عليها هي الغوص في أعماق الأرض!
عشرة كيلوجرامات ذهب يوميًا!
يقع أعمق منجم في العالم في جنوب أفريقيا ويبلغ عمقه حوالي 3 كيلومترات. وهنا لا نقصد العمق الذي يصل إليه مثقب الحفر، والذي يبلغ 7.5 كيلومتر، بل العمق الذي وصل إليه الإنسان. وإليكم ما قاله أحد الكتاب بعد زيارته أحد المناجم:
“ارتدينا ثياب العمل والجاكتات الجلدية ودخلنا في النفق الأول، المضاء بصورة جيدة. وهنا شعرنا بقشعريرة في أجسامنا، بسبب الهواء البارد، إذ تبلغ درجة الحرارة على هذا العمق حوالي 4 درجات مئوية فقط بسبب الهواء المنبعث من أجهزة التهوئة المعدة لتلطيف الهواء في أعماق المنجم. وبعد أن اجتزنا النفق الأول، ركبنا في داخل قفص معدني ضيق لنصل إلى النفق الثاني. وهنا شعرنا بأن الهواء قد أصبح أكثر دفئًا من السابق، لأننا نزلنا تحت مستوى سطح البحر. وعند وصولنا إلى النفق التالي، أخذ الهواء يلفح وجوهنا بحرارته. أخذ العرق يتصبب من أجسامنا وكنا نسير بظهور منحنية في داخل القبو المنخفض السقف. وصلنا إلى موضع الآلات الثاقبة حيث الجو مثقل بالغبار. ما هي حصيلة هذا الواقع المرعب؟ حوالي عشرة كيلوجرامات من الذهب في اليوم الواحد!”
الفحم الحجري وخطر الانفجار!
تعد مهنة عمال المناجم وخاصةً مناجم الفحم الحجري من أخطر وأشق المهن التي مارسها الإنسان. وهذا يعود إلى انتشار الغبار السام في مناجم الفحم الحجري. فهذا الغبار يحتوي على غاز الميتان “methane” ويكون مع الهواء غازًا سريع الإنفجار خاصة إذا ارتفع الضغط الجوي والحرارة. بالإضافة إلى أن تنشق كميات كبيرة من غبار الفحم الحجري باستمرار لفترة من الزمن، يعرض الشخص إلى الإصابة بأمراض الرئة ومشاكل في التنفّس.
تساعد التهوئة الجيدة في إزالة الكثير من غبار الفحم الحجري من داخل المنجم. ومع ذلك ينصح باستعمال أدوات لقياس نسبة الغاز المنبعث. بالإضافة إلى أساليب للتحكم في الغبار مثل رش مسحوق حجر الجير “calcaire – limestone” فوق كل الأسطح المكشوفة داخل المنجم، فيخفف هذا المسحوق انتشار غبار الفحم الحجري، الأمر الذي يقلل من فرص حدوث الانفجارات.
النحاس… من المنجم إلى المنزل!
يجمع النحاس الخام بجرافات مخصصة لحملها داخل المنجم. وعندما يتمّ استخراج كل النحاس الخام، تُعبأ المنطقة بصخور لتغلق نهائيًا. وذلك لأن الفراغ الذي يترك في الصخر يمكن أن يؤثّر في مستوى الضغط تحت الأرض، مما قد يؤدي إلى الانهيار. تفرغ الجرافات حمولتها في إحدى الكسارات حيث يتم تحطيم الخام إلى قطع صغيرة. ثم تحمل الأجزاء نحو السطح من خلال المصعد الرئيسي. يشكل النحاس نسبة 2 بالمائة فقط من الخام المستخرج. للحصول على النحاس النقي، لا بد من التنقية والتصفية.
تسمى المرحلة الأولى بالتركيز. وهي تتم في محطة قريبة من المنجم، حيث تحول القطع إلى حبيبات صغيرة مما يجعل الخليط يبدو كالرمل. حينها تمزج الخامات بالماء ما يجعل الخليط شبه سائل. ثم يوضع الخليط في أحواض، يضخ إليها الهواء ومواد كيميائية للحصول على طبقة من الغشاء. فيطفو النحاس على سطح فقاعات الغشاء، وتغرق جزيئات الصخور الخالية من النحاس. يصفى الخليط بعد ذلك للحصول على خليط جديد 24 بالمائة منه من النحاس.
عندها يرسل هذا الخليط إلى محطة أخرى تتولى عملية الصهر “melting”. في هذه المحطة يمر الخليط عبر مجموعة من الأفران، حيث يتم تسخينه على حرارة مرتفعة ليذوب نهائيًا. يتم حقن السائل بهواء غني بالأكسجين، فتنفصل المواد غير المرغوب بها كالكبريت والحديد عن النحاس لتمتزج مع الأكسجين. بعد التصفية، يتم الحصول على نحاس نقي بنسبة 99 بالمائة ويوضع في قوالب ليبرد. بعد ذلك ترسل القوالب إلى محطات تحويل أخرى حيث يستعمل النحاس في صناعة التماثيل والأسلاك الكهربائية وغيرها من الأدوات المنزلية والكهربائية.
هذه هي إذًا قصة عمال المناجم! وما نسبة الوفيات المرتفعة للعمال الحاليين والسابقين إلا دليل على خطورة الأوضاع التي يتعرض لها عمال المناجم!
فلنحمد الله على النعم التي أنعم الله بها علينا ولنفكر بالمعاناة التي يمر بها غيرنا، فتهون علينا معاناتنا!█