الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا، قيّمًا لينذر بأسًا شديدًا من لدنه، ويبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرًا حسنًا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف النبيين وخاتم المرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
يقول الله تعالى في القرءان الكريم: ﴿وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا (36)﴾ سورة النساء.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَن كانَ يؤمنُ بالله واليومِ الآخر فلا يُؤذِ جارَه، ومَن كانَ يؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فليُكرم ضيفَه، ومَن كان يُؤمن بالله واليومِ الآخر فليَقل خيرًا أو ليَصمت“ متفق عليه.
لـقـد أمـر الله تـبـارك وتـعـالى بـحـفـظ الجار والقيام بحقه، وكذلك أمر حبيبنا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم بعدم إيذاء الجار، وأكّد على القيام بحقه تأكيدًا عظيمًا بليغًا في غير حديث كما يظهر من الحديث الذي مرَّ ذكره “من كان يُؤمن بالله واليومِ الآخر فلا يُؤذ جارَه” وغيره من الأحاديث كحديث البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما زالَ جبريلُ يوصيني بالجارِ حتى ظننتُ أنه سيُورّثُه“.
فمن أراد الرقي والترقي في المقامات العالية فجدير به أن يكون وقّافًا عند كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، عاملًا بما جاء في القرءان والحديث فإن الله عزّ وجل يقول: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ﴾ أي الجار القريب بالنسب، والجار الغريب الذي ليس بينك وبينه نسب، فالإحسان إلى الجار أمر مهم يدل على طيب الأخلاق وسماحة النفس، وإن لنا نحن المسلمين في نبيّنا العظيم صلوات الله وسلامه عليه القدوة الحسنة، فقد قال ربنا تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ﴾ سورة الأحزاب/21.
فالسعادة والفلاح في الاقتداء به صلى الله عليه وسلم بتعلّم سيرته وأقواله وأفعاله والسير على هديه الشريف، وبهذا يعم الوئام وتسود المودة والألفة بين الأهل والأحباب والجيران، فالمسلم أخو المسلم سواء كان عربيًا أم عجميًا، والأخ الصالح يتعهد أخاه بما يصلحه ويصرف عنه ما يزعجه، بخلاف ما عليه كثير من الناس اليوم حيث يعادي الأخ أخاه، ويؤذي الجار جاره بأنواع الأذى فلا يراعي له حقًا، ولا يدفع عنه ضرًا، وكأن أمر جاره لا يعنيه، وما سبب ذلك إلا الغفلة بل شدة الغفلة والبعد عن مجالس علم الدين التي يُبيَّن فيها الخير من الشر والحلال من الحرام.
فتنبّه أخي المسلم ونبّه جيرانك وأهلك وأرحامك بالحسنى إلى ترك ما يسبّب الأذى للجيران كالغيبة والنميمة والتدخل في شؤونهم بما لا يرضون، وكرمي القاذورات عند باب دارهم، وإصدار الأصوات المزعجة، وقد يكون في الجيران من هو مريض أو يـذاكـر اسـتـعـدادًا لـلامـتـحـانـات أو نحو ذلك فيزعجه فعلك من حيث لا تشعر، ولربما كان سوء تصرفك أيضًا سبـبًا في زيـادة مرض جارك الـمتألم وأنت غير مبالٍ بذلك وكأن الأمر لا يعنيك، وكيف يروق لشخص أن يؤذي جاره وأن يزعجه ويشاكسه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن“، قيل: من يا رسول الله؟ قال: “الذي لا يأمَن جارُه بوائقَه“ متفق عليه. ومعنى “بوائقه” أي أذاه. وفي رواية لمسلم: “لا يدخُل الجنة من لا يأمَنُ جارُهُ بوائقَه” أي لا يدخلها مع الأولين إن مات مسلمًا بل يدخلها مع الآخرين بعد العذاب الشديد إن لم يعف الله عنه.
أخي المسلم تأمّل هذا الحديث العظيم وانظر أين أنت وحاسب نفسك واقهرها لتنال هذا الفضل العظيم إن لم تكن من أهله، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيرُ الأصحابِ عـنـدَ الله تـعـالـى خـيـرُهـم لصاحبه، وخيرُ الجيرانِ عندَ الله تعالى خيرُهُم لجارِه” رواه الترمذي. فاسأل نفسك أين أنا من مواساة جاري وإكرامه ومداراته فإن كنت مقصرًا في هذا الأمر فتدارك نفسك، وإن كنت على خير فاستزد منه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يشبَعُ مؤمنٌ من خيرٍ حتى يكونَ منتهاهُ الجنّة“ رواه الترمذي.
وإن كـان جـارك مـحـسـنًا لـك فـبـادل إحسانه إليك بالإحسان إليه، فلقد قيل الجار قبل الدار، ولربما غلا ثمن الدار بصلاح الجار فإذا كان جارك تقيًا طيبًا فإن مجاورتك له نعمة فاغتنمها، وإن كان غير ذلك فأثّر أنت فيه بصلاحك علّه يتوب من غفلته على يديك فتؤجر أجرًا عظيمًا فإن الله تعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا أبا ذر إذا طبختَ مرقةً فأكثِر ماءَها وتـعاهَـد جـيرانَك” رواه مـسـلم. وفي رواية: “إذا طبختَ مَرَقًا فأكثِرْ ماءَه ثم انظر أهلَ بيتٍ من جيرانِك فأَصِبْهُم منها بمعروف“.
فمهم جدًا أن تراعي جيرانك بكل أحوالك، وإيّاك أن تقطع علاقتك بجيرانك فلا تقاطعهم بلا عذر شرعي لأسباب دنيوية أو مشاكل سياسية فإن ذلك يسبّب البغضاء والشحناء بين الجيران ويؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
وينبغي لنا أن نلتزم هذه الآداب المأخوذة من تعاليم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فوالله إن ديننا عظيم، فاحفظ أخي هذه الآداب وآس جيرانك بالأحزان وشاركهم بالأفراح، وتذكر قول النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: “ما آمن بي من باتَ شبعان وجارُه جائعٌ إلى جنبه وهو يعلَم به” رواه البزار، والمعنى أنه لا يكون كامل الإيمان.
نسأل الله أن يرزقنا حسن الحال والحمد لله على كل حال وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.█