الـحـمد لله رب العالـمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. 

وبعد يقول الله تعالى في القرءان الكريم: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) سورة آل عمران. 

لقد ذكر الله تعالى في القرءان الكريم في سورة القلم شيئًا من قصة أصحاب الجنة -أي البستان- الذين لم يؤدوا حق الله تعالى فيها فحرمهم منها عقابًا على نيتهم الخبيثة. قال الله تعالى: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) سورة القلم، فما تفاصيل هذه القصة؟

ذكر أهل التفسير أن رجلًا كان بناحية اليمن له بستان وكان مؤمنًا وذلك بعد عيسى ابن مريم عليهما السلام، وكان يأخذ من الحصاد قدر قوته يتصدق بالباقي، وقيل: كان يترك للمساكين ما تَعَدَّاهُ المنجل والقطاف وما يسقط من رؤوس النخل، فكان يجتمع من هذا شىء كثير يعيش منه اليتامى والأرامل والمساكين، فمات الرجل عن ثلاث بنين فقالوا: والله إن المال لقليل وإن العيال لكثير، وإنما كان أبونا يفعل هذا إذ كان المال كثيرًا والعيال قليلًا، وأما الآن فلا نستطيع أن نفعل هذا، فعزموا على حرمان المساكين وتحالفوا فيما بينهم يومًا واتفقوا سرًّا أن يقوموا أول الصبح قبل أن يستيقظ الناس فيأتوا إلى بستانهم ويقطفوا ثمارهم ويحصدوا زرعهم ويقتسموه فيما بينهم فلا يبقى شىء للفقراء ولا يدفعون الزكاة.

فأرسل الله سيدنا جبريل عليه السلام ليلًا ببلاءٍ شديدٍ. قال تعالى: ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)﴾ سورة القلم، أي فصارت جنتهم أي بستانهم كالليل الأسود بسبب احتراق البستان فأحاط بهم سوء عملهم، وطلع عليهم النهار وهم على مشارف بستانهم يتساءلون: أهذا بستاننا وقد تركناه بالأمس مورقًا بأشجاره وافرًا بثماره؟! ما نظن هذا بستاننا وإننا ضالون عنه. قال أوسطهم وكان طيبًا كأبيه: بل هي جنتكم حرمتم منها قبل أن يُحرم الفقير منها وجوزيتم على بخلكم وشُحِّكم، فأقبل بعضهم يلوم البعض الآخر، فيقول أحدهم لآخر: أنت أشرت علينا بمنع المساكين، ويقول الآخر: بل أنت زيّنت لنا حرمانهم، فيجيبهم أحدهم: أنت خوَّفْتَنا الفقر، ويقول آخرهم: بل أنت الذي رغّبتنا بجمع المال. ثم قالوا كما أخبر الله تعالى:  ﴿يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31)﴾ سورة القلم، أي عصينا ربنا بمنع الزكاة. ثم رَجَوا انتظار الفرج في أن يبدلهم الله خيرًا من تلك الجنة أي البستان فقالوا: ﴿عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32)سورة القلم، فأدركهم الله تعالى برحمته عندما أظهروا استعدادهم للتوبة، وأمر جبريل عليه السلام أن يقتلع بستانهم المحروق ويجعله في مكانٍ بعيدٍ وأن يأخذ من أرض الشام بستانًا عامرًا ويجعله مكان الأول فكانت البركة فيه ظاهرةً، وعادوا إلى ما كان عليه والدهم لا يمنعون فقيرًا ولا مسكينًا، يطهّرون أموالهم وأنفسهم بما يرضي الله عز وجل.

فليعتبر كل واحدٍ منا وليُقبِل بهمةٍ عاليةٍ إلى طاعة الله مولاه ولنتذكر دائمًا حديث رسول الله محمدٍ عليه الصلاة والسلام: “أفش السلام وأطعِمِ الطعامَ وصِلِ الأرحامَ وقُمْ بالليلِ والناسُ نيامٌ تدخُلِ الجنةَ بسلامٍ” رواه ابن حبان.

والحمد لله رب العالمين.█