هو سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع التستري، أبو محمد الصالح المشهور، صاحب الكرامات لم يكن له في وقته نظير في المعاملات والورع، لقي ذا النون بمكة. سكن البصرة زمانًا، وعبادان مدة.
سلوكه منهج الصوفية
كان السبب في سلوكه خاله محمد بن سوار، فقد روي عن سهل أنه قال: “قال لي خالي يومًا: يا سهل ألا تذكر الله الذي خلقك؟!” قلت: “فكيف أذكره؟” قال: “عند تقلبك في فراشك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك: الله معي، الله يراني، الله شاهدي -أي مطّلع عليّ” فقلت ذلك، ثم أعلمته فقال: “قلها كل ليلة إحدى عشرة مرة”، فقلت ذلك، فوقع في قلبي حلاوة. فلما كان بعد سنة قال لي خالي: “احفظ ما علّمتك، ودم عليه، إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة”. فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت له حلاوة في سري. ثم قال لي خالي يومًا: “يا سهل! من كان الله معه ويراه، وشاهده، يعصيه؟! إياك والمعصية”، فكان ذلك أول أمره، وكان عمره إذ ذاك ثلاث سنين.
مولده ووفاته
ذكر ابن الأثير في تاريخه أن مولد سهل كان في سنة مائتين، وقيل إحدى ومائتين بتُسْتَر. وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين في المحرم، وقيل سنة ثلاث وسبعين ومائتين رضي الله عنه بالبصرة.
والتُسْتَري نسبة إلى تُسْتَر، وهي بلدة من كور الأهواز من خوزستان، يقول لها الناس ششتر -بشينين معجمتين- بها قبر البراء بن مالك رضي الله عنه.
من كراماته
من كراماته أنه كان قد اعتقل بطنُ يعقوب بن الليث أي أصابه الإمساك في بلد فارس، فجُمع له الأطباء فلم يغنوا عنه، فوصف له سهل بن عبد الله فأمر بإحضاره فحضر، فلما دخل عليه قعد عند رأسه وقال: اللهم أريته ذل المعصية فأره عز الطاعة، ففرج الله عنه من ساعته، فأخرج إليه بدرة أي صرة نقود وثيابًا فردها وما قبل منها شيئًا، فلما رجع إلى تستر قال له بعض أصحابه: لو أخذت تلك الدراهم وفرقتها على الفقراء، فقال: انظر إلى الأرض فإذا الأرض كلها ذهب ثم قال: من كان حاله مع الله سبحانه هذا لا يستكثر هذا.
وروي أنه أسلم على يديه خلق وكان له جار مجوسي فلما احتُضر سهل استدعاه، وقال له: “ادخل ذلك البيت وانظر ما فيه” فدخل، فإذا جفنة -أي آنية- موضوعة تحت حش لدار المجوسي، قد انفتح إلى دار سهل، فخرج فقال: “يا شيخ ما هذا؟!” قال: “اعلم أنه -منذ سنة- انفتح كنيف دارك إلى داري، وأنا كل يوم أضع تحته آنية كما رأيت، فتمتلئ نهارًا، فإذا كان الليل أخذتها فرميت ما فيها وأعدتها ولولا أني مفارق ولست أطمع أن تتسع أخلاق غيري لك ما أعلمتك”. فبكى المجوسي وقال: “والله ما كان حسن الخلق ورعاية الحال في دين إلا زانه، ويلي، أنت تعاملني هذه المعاملة وتموت وأنا على ضلالي القديم، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله وداري هذه وقف على الفقراء”. وقال أحمد بن محمد ابن أحمد البصري: خَدَمَ أبي سهلَ ابن عبد الله سنينًا، فقال لي: “ما رأيته يتغير عند سماع شىء كان يسمعه من القرءان والذكر وغيرهما. قال: فلما كان في آخر عمره قرئ بين يديه ﴿فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ﴾ سورة الحديد/15، فرأيته قد تغيّر وارتعد وغشي عليه فلما أفاق سألته عن ذلك، فقال: “يا حبيبي ضعفنا”.
من أصحابه
من أصحابه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سالم البصري وهو راوية كلامه، له جِد واجتهاد وله بالبصرة أصحاب ينتمون إليه وإلى ولده أبي الحسن علي بن سهل.
من مؤلفاته
ألّف سهل تفسيرًا موجزًا للقرءان الكريم عُرف بتفسير التستري، وله كتاب رقائق المحبين وغير ذلك.
من كلامه ومواعظه
من كلامه: “آية الفقير -أي الصوفي- ثلاثة أشياء: حفظ سره، وأداء فرضه، وصيانة فقره”.
وكان يقول: “من صبر على مخالفة نفسه أوصله الله إلى مقام أنسه”.
وقال رضي الله عنه: “الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وإذا انتبهوا ندموا وإذا ندموا لم تنفعهم الندامة”، ومن كلامه أيضًا: “لا دليل إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا زاد إلا التّقوى، ولا عمل إلا الصبر عليه”. وقال: “الجاهل ميت، والناسي نائم، والعاصي سكران، والمصرّ هالك”.
وكان يقول: “من أحب أن يطلع الناس على ما بينه وبين الله فهو غافل”، وكان رضي الله عنه يقول: “ما عمل عبد بما أمره الله تعالى عند فساد الأمور وتشويش الزمان واختلاف الناس في الرأي إلا جعله تعالى إمامًا يقتدى به هاديًا مهديًا، وكان غريبًا في زمانه”.
وكان رضي الله عنه يقول: “إياكم ومعاداة من شهره الله تعالى بالولاية، وإنه كان بالبصرة ولي لله تعالى فعاداه قوم وآذوه فغضب الله عليهم فأهلكهم أجمعين في ليلة، وكان يقول: طوبى لمن تعرف بالأولياء، فإنه إذا عرفهم استدرك ما فاته من الطاعات، وإن لم يستدرك شفعوا عند الله فيه لأنهم أهل الفتوة”.
وقال رضي الله عنه: “أصولنا سبعة أشياء التمسك بكتاب الله تعالى والاقتداء بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأكل الحلال وكف الأذى واجتناب الآثام والتوبة وأداء الحقوق”.
وسئل رضي الله عنه عن الذي لم يأكل طعامًا أيامًا كثيرة أين يذهب لهب جوعه فقال: “يطفئه نور القلب”، وكان رضي الله عنه يقول: “حياة القلوب التي تموت، بذكر الحي الذي لا يموت”، وكان رضي الله عنه يقول: “من كمل إيمانه لم يخف من شىء سوى الله تعالى”، وكان يقول: “خيار الناس العلماء الخائفون وخيار الخائفين المخلصون الذين وصلوا إخلاصهم بالموت رضي الله تعالى عنهم”. █