هل سبق لأحدكم أن فكر مرة في معنى كلمة “مرحبًا”، أو بمعنى أخص كلمة “مرحبًا يا جار”، ولتوضيح السؤال أقول: كم معنى يمكن أن تحمل كلمة “مرحبًا يا جار”؟ نعم، هناك أكثر من معنى قد تحملها هذه الكلمات باختلاف النبرة والحالة التي تقال بها.
قد نقول لجارنا العزيز ونحن نخرج من باب المنزل: “مرحبًا يا جار” ونقصد بها حقيقة أننا نرحب بهذا الجار. وقد نقولها بطريقة نقصد بها “أين أنت يا جار مرّ زمان طويل ولم نرك” وعادة تكون الألف ممدودة بعد الباء، وقد نقولها بطريقة سريعة مكررة “مرحبًا مرحبًا يا جار” وهنا عادة نلحقها بطلب من الجار، وقد نقولها بطريقة “بوليسية” وتكون ممدودة الألف أيضًا إذا وجدنا الجار يفعل أمورًا لا ينبغي له أن يفعلها في المبنى “كتمديد أسلاك كهربائية بحيث قد يتأذى غيره ، أو ركن ثلاث أو أربع سيارات في موقف البناية…” وغير ذلك من الأمثلة التي قد تعطي لكلمة واحدة عدة استعملات بحسب نبرة الشخص الذي يقولها وبحسب الموقف الذي يقولها فيه.
ولطالما سمعنا عبارة “الجار قبل الدار” لكن هل سألنا أنفسنا لماذا أهل العصور الماضية وضعوا هذا المثل، ولماذا كانوا يوصوننا أن نختار جارنا قبل دارنا. الإجابة عن هذا السؤال بسيطة وسهلة لكنها تدعو إلى تفكير طويل لمراجعة أسلوب حياتنا وكيفية تعاملنا مع جيراننا، فالجار هو شخص قد نلتقي به على الأقل مرة واحدة كل يوم من حياتنا، وهذه المرة تكون وقت الخروج من المنزل إلى العمل في الصباح. بل الجار أكثر من هذا، فبعض الجيران يكونون سندًا وعونًا لنا في أوقات الشدة لأنهم يكونون أقرب الناس إلينا من حيث المسافة إذا طرأ علينا شىء. ومن جهة أخرى علينا أن نتحرى موضوع الجيرة قبل انتقاء البيت لأن بعض الجيران يكونون سببًا في تغييرنا للمبنى الذي نسكن فيه بسبب سوء المعاملة.
لذلك أود من خلال هذا التحقيق لفت النظر إلى بعض الأمور التي قد تسبب إزعاجًا للجيران وكيفية اجتنابها بطريقة سهلة وبسيطة، وأود أيضًا لفت الانتباه إلى أنه عند ذكر كل مشكلة سأوجه كلامي إلى “جيراني وأهل بيتي الأعزاء” لأنه كما نتضايق نحن من بعض تصرفات الجيران فهناك بعض التصرفات التي نقوم بها تزعج جيراننا.
جيراني وأهل بيتي الأعزاء:
أرجو منكم الانتباه والعلم بأن أدراج المبنى ليست ملعب كرة قدم لأولادكم، خاصة مع وجود هذا الممر الطويل الذي يفصل بين بيوتنا. فأنا لست مضطرًا أن أعيد طلاء باب البيت كل ثلاثة أشهر لأن أولادكم أحبوا أن يلعبوا المباراة النهائية ويتخذوا من باب بيتي مرمى للفريق الخصم. فلكرة القدم مكانها الخاص بها وهو الملاعب المنتشرة في كل أنحاء المدينة وليس موقف السيارات أيضًا، لأن بعض الأولاد يظنون أنه حين أقول لهم: “اذهبوا والعبوا بعيدًا من هنا”، يظنونني أقصد موقف سيارات المبنى فننتقل من طلاء باب المنزل إلى تغيير زجاج السيارة.
جيراني وأهل بيتي الأعزاء:
المصعد الكهربائي تمّ صنعه لمساعدة الناس في الصعود إلى منازلهم، وكذا إن كان أحد الساكنين في المبنى يحمل أشياء كبيرة وكثيرة فإن المصعد يساعده في حمل هذه الأمتعة إلى بيته، وصدقوني لم تكن غاية صانع المصعد الكهربائي أن يكون هذا الشىء لعبة في مدينة “الملاهي” لأولادكم أو لأولادي. فالمصعد عندما يتعطل سنتحمل كلنا كلفة إصلاحه لأن هذا المصعد ليس خاصًا بمنزل أو منزلين إنما هو عام، يستعمله جميع سكان المبنى لذا علينا كلنا أن نعلّم أولادنا أن لا يستخدموه كلعبة أو أداة تسلية.
جيراني وأهل بيتي الأعزاء:
إن كنتم في حال فرح شديد أو كان عندكم مناسبة خاصة، نتمنى منكم أن يبقى ما ترغبون بسماعه في منزلكم. لأن بعض الأشياء التي تستهوون سماعها قد لا يستهوي غيركم سماعها، وقد تسبب له إزعاجًا، خاصة إن كان الشخص ممن يعمل لساعات طويلة ويحتاج إلى أن ينام بهدوء ليستجمع طاقته، أو كان من الأشخاص الذين عندهم أولاد، فهم ينتظرون لحظة نوم الولد الصغير ليأخذوا قسطًا من الراحة، لذا لا ينبغي لأي شخص أن يقوم برفع صوت المذياع في بيته فوق المعتاد، وفي حال اضطر لفعل هذا فليعلم غيره من السكان في المبنى وحتى في المباني القريبة أنه سيقوم برفع الصوت من ساعة كذا لساعة كذا حتى يستطيعوا أن يتدبروا أمورهم في هذا الوقت.
جيراني وأهل بيتي الأعزاء:
يقول المثل الشعبي اللبناني “إذا كان جارك بخير، فأنت بخير” والمقصود منه أنه كلما كانت معاملتك طيبة مع جارك وكنت مريحًا في التعامل معه، كان بالك مرتاحًا ومطمئنًا، فإذا كنت أواجه مشكلة في بيت الخلاء في بيتي، من نحو اهتراء في الأنابيب في “بيت خلائك” والتي ينتج عنها تسرب للمياه في سقف “بيت خلائي”، ولم تكلف نفسك مجهودًا للاتصال بـ”السمكري”، فلن يكون بالك مطمئنًا ولا مرتاحًا، إذ ستجدني عندك كل يوم مرتين، مرة في الصباح لألقي عليك تحية “مرحبًا يا جار” ومرة في المساء لألقي عليك تحية مرة أخرى، وفي كل مرة ألتقي بك سأذكرك بموضوع تسرب المياه الذي أواجهه بسبب أنابيب المياه في منزلكم.
ما هذا إلا غيض من فيض، قراءنا الأعزاء. المشاكل التي قد تحدث بين الجيران أكثر من أن تحصر في بضع كلمات أو بضع فقرات، لكن المرجعية الأساسية لحل كل هذه المشاكل هو الرجوع إلى الأحكام الشرعية، والالتزام بما أمر به الشرع، فإذا حكّمنا الشرع في كل أمورنا وخاصة في التعامل فيما بيننا وبين جيراننا، سنعيش حياة سعيدة بإذن الله، ويكون بالنا مرتاحًا، حتى تكون “مرحبًا يا جار” في معناها الأصلي.█