كنت في حالة تأهب…كان لديّ اختبار شهري في مادة الرياضيات ولم تتجاوز ساعات نومي في الليل الأربع ساعات. لم أكن أريد التأخر عن وقت المحاضرة فإن سجلّ غيابي في الجامعة بلغ 22 يومًا من التأخير على المحاضرات في الشهر تقريبًا.
لكنني وفي هذا اليوم كنت حقًا في أقصى درجات التأهب… ذلك لأن أستاذ المادة أكد علينا أهمية الدخول إلى القاعة تمام الرابعة عصرًا لأنه سيوزع أوراق الاختبار الشهري ويغلق أبواب القاعة…ولن يسمح بدخول أحد بعد ذلك!
عزمت على الالتزام بالوقت الذي حدّده الأستاذ… فالفصل الدراسي شارف على الانتهاء ولم أكن أريد الرسوب في المادة…
كانت الساعة الواحدة ظهرًا… جال في ذهني خاطر أنني إذا ذهبت بسرعة إلى بيتي لأصلي فريضة الظهر وأتناول الغداء وأعود فسيكون كل ذلك قبل الرابعة بل قبل الثالثة والنصف.
ومع أن منزلي قريب جدًا من الجامعة، ركبت سيارة أجرة كي لا أضيّع الوقت بالمشي وتضعف قواي أيضًا فلَيلتي لم تكن هانئة ولا أريد أن أتعب نفسي أكثر.
دخلت المنزل وتوضأت وأديت صلاتي… ثم جلست لأتناول الغداء مع أمي و”أدردش” معها قليلًا قبل أن تتوجه لزيارتها اليومية لبيت جدتي. أنهيت أعمالي المنزلية وساعدت أمي بالتوضيب وغسل الصحون ثم نظرت إلى الساعة فإذا بها تشير إلى الثانية فقط. بقي لدي ساعتان! لن أعود باكرًا إلى الجامعة فالقاعات باردة والردهة مزدحمة والكافيتيريا في هذا الوقت تكون فواحة بروائح الزيوت المقلية والأطعمة الأخرى.
صرت “أضيع الوقت”. بدأت أتفرج على صور لي ولصديقاتي في هاتفي المحمول… وصرت أقرأ “دردشاتي” القديمة معهن… حتى شعرت بالنعاس فقلت في نفسي سأغلق عيني لعشر دقائق وسأدلل نفسي بخمسة دقائق إضافية إن احتاج الأمر… وسأبقى مستلقية على هذه الكنبة كي لا يأخذني النوم في سبات عميق…
أغلقت عيني… صرت أكثر دفئًا…فوالدتي، بارك الله بها، كانت قد وضعت غطاءً خفيفًا علي قبل مغادرتها المنزل، أحسست أن الدقائق العشر الأولى قد مرت… وفعلاً كنت على حق… كانت الساعة قريب الثالثة… فقلت في نفسي: عند الثالثة والخمس دقائق سأكون واقفة، جاهزة لأركض إلى اختباري…
أغلقت عيني لأفتحهما عند الساعة الرابعة! أحسست وكأنني أشتعل نارًا… ركضت إلى الجامعة… كنت اشتعل غضبًا وأثر وسادة الأريكة لا يزال واضحًا على وجهي… واحمرار وجنتي كان يدل على أنني كنت في سبات عميق…
وعندما وصلت وجدت اثنتين من صديقاتي تقفان عند باب القاعة فإن الأستاذ المحاضر قد منعهما من الدخول لأنهما تأخرتا عن الحضور في الوقت المحدد… الأولى كذبت قالت له: “حادث سير حال بيني وبين الوصول باكرًا” والثانية قالت له: “أمي مريضة فلم أخرج إلا بعد تأكدي من أن حالها مستقر”.
نصحاني بعدم الدخول… قالتا لي: “لا تحرجي نفسك” نعم لن أحرج نفسي لكنني سأدخل، نعم سأدخل ولن أكذب… لم أخف… دخلت وعزمت على قول الصدق وعلمت أن بالصدق نصل إلى ما نريد…
فتحت الباب… فقابلني الدكتور بنظرته الحازمة وسألني الدكتور بنبرة حادة: “لم تأخرت؟” فقلت له: “أستاذ، ذهبت إلى البيت لأتناول الغذاء ولأصلي…فنمت وصحوت كالمجنونة” ابتسم بكل لطف وقال: “لا بأس، انتبهي في المرة القادمة”.
كان ارتياحي كبيرًا. جلست وباشرت بالإجابة على أسئلة الاختبار ولم يهمني كم الساعة وكم لدي من الوقت… بل كان لدي شعور غريب بالثقة والارتياح.
هذه قصة سأرويها لأولادي يا أستاذ…نعم سأنتبه في المرة المقبلة… وأنت يا أستاذي لم تعلمني فقط أن الالتزام بالمواعيد مهم بل أيضًا أثبتّ لي أن الصدق ينجي.█