يتضمن مفهوم الشخصية ثلاثة عناصر وهي أفكار الإنسان وأحاسيسه وسلوكه التي تختلف باختلاف العوامل الجينية الموروثة وعوامل البيئة الاجتماعية والثقافية.
مفهوم الشخصية المضطربة
وقبل الخوض في الشخصية الاتكالية لا بد لنا من وقفة نطَّلِعُ فيها على مفهوم الشخصية المضطربة. فهي تجد صعوبة في التعايش مع الآخرين فتتصف بالجفاف وعدم المرونة والمقدرة على إعطاء تجاوبات مناسبة لمتطلبات الحياة المتغيرة.
ويرى مضطرب الشخصية أن ما يحمله من آراء وما يتحسس به وتصرفاته هي أمور طبيعية ولا يدرك وجود خلل في أفكاره وأحاسيسه وسلوكه، بل يرى أن مشاكله هي بسبب الآخرين والظروف التي هي خارجة عن دائرة سيطرته، لذا يُوَجِّه لومه دائمًا للآخرين وللظروف. كما يعجز المضطرب عن تلبية متطلبات الحياة اليومية مما يمنعه من التفاعل مع الآخرين من أفراد أسرته وأصدقائه وأبناء بلدته وفي أماكن العمل، ويكون غريب الأطوار بالنسبة إليهم، ويفشل في تلبية ما يتوقعون منه من أفكار وأحاسيس وسلوك، وتقوده هذه الحالة إلى توتر نفسي متكرر، فينعزل ويميل إلى الوحدة، ويعجز عن أداء وظائف الحياة والمساهمة في أنشطة اجتماعية، وتزداد عنده الرغبة في الانتحار.
تظهر علامات اضطرابات الشخصية في نهاية مرحلة الطفولة وفي مرحلة المراهقة وفي بداية مرحلة النضج، وتستمر الأعراض إلى بقية حياة المضطرب. ويظهر الانحراف في سلوك المضطرب وتفكيره وأحاسيسه بشكل واضح مقارنة بما عند الأشخاص الأسوياء في نفس المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه.
التشخيص
ولكي يُشخّص اضطراب الشخصية لا بد أن يظهر الاضطراب في أكثر من مجال مما يأتي:
1- الإدراك، يلاحظ عليه الارتباك في كيفية فهمه للأمور وتفسيره للأحداث، أو في كيفية رؤيته لذاته والآخرين، وتتميّز وجهة نظره بالغرابة.
2- اضطرابات في التأثير، والمقصود أن ردود أفعاله واستجاباته تكون دائمًا مضطربة وغير مناسبة، أي إما أن يكون مندفعًا في انفعالاته أو يكون سلبيًا لا يبدي استجابة للمواقف التي يواجهها.
3- اضطرابات في السيطرة على دوافعه واندفاعاته وكيفية إشباع حاجاته.
4- اضطرابات في العلاقة مع الآخرين، وفي كيفية معالجة المواقف التي يختلف فيها معهم.
وللتشخيص أيضًا ينبغي مراعاة ما يأتي:
– دلائل على وجود الاضطراب والانحراف منذ فترة طويلة وظهور عوارضه في أواخر مرحلة الطفولة أو في مرحلة المراهقة.
– أن لا يكون الانحراف والاضطراب ناجمين عن أمراض أو اضطرابات عقلية أو نفسية أخرى.
– يظهر الاضطراب من خلال عدم مرونة سلوك الشخص، وعدم قدرته على التكيف، وأداء دوره في الأسرة والعمل، وفشله في علاقاته مع الآخرين.
– تصاحب سلوك المضطرب توترات نفسية حادة.
وتترتب على اضطرابات الشخصية أنماط سلوكية وذهنية وشعورية مضطربة مثل: الإدمان على
المخدرات والكحول، والميل إلى إلحاق الأذى بالنفس والتهور، والتصادم مع قيم المجتمع، والتناقض في الانفعالات، والكآبة والقلق والحساسية بشكل مفرط تجاه العلاج النفسي والطبي.
اضطراب الشخصية الاتكالية
تعريف الاتكالية: هو مصطلح يعني الاعتماد على الغير في حل الأمور الخاصة إلى درجة كبيرة ينتفي فيها الشعور بالمسؤولية الخاصة والمجهود الذاتي فالشخص الاتكالي يكتفي برمي مسؤولية تدبير شؤونه المادية أو حتى المعنوية على الغير قبل استنفار مقوماته الشخصية والخاصة.
وتعرف الاتكالية في معجم الطب النفسي على أنها الحالة التي يتوقع فيها الفرد المساعدة من الآخرين أو يبحث عمن يقدم له الدعم العاطفي والمادي وكذلك الحماية والرعاية اليومية.
الأسباب
إن الأسباب المؤدية إلى هذا الاضطراب غير معروفة ولكن بعض النظريات والأبحاث أرجعت هذا الاضطراب إلى الأمور التالية:
1.أسباب بيولوجية:
يشير خبراء الصحة النفسية إلى وجود شعور من القلق والتشاؤم مغروس في نفس الاتكالي فسّرها بعضهم بأسلوب دفاعي نفسي عنده لتجنب أي أذى يحتمل التعرض له كالافتراق عمن يحبه.
2.أسباب اجتماعية-بيئية:
إن عدم تشبع المصاب باضطراب الاتكالية منذ نعومة أظافره بقيمة الاعتماد على النفس يعمل على تكريس صفات الكسل والخمول والتقوقع الاجتماعي في سلوكه. كما أن تعرضه للإهانة خلال سنوات التطور والنمو ينمي لديه تلك الشخصية.
كما تثبت الأبحاث أن أسرة المصاب تميل بشدة إلى السيطرة والتحكم به وإحباط محاولاته للاستقلالية بعيدًا عن التحفيز والتشجيع وهو طفل فينمو اتكاليًا.
وتظهر الاتكالية كذلك عند الأطفال الذين يعانون من مشكلات تعلمية وسلوكية أكثر مما تظهر عند غيرهم. وتتجلى هذه الاتكالية في أشكال متعددة كالعجز عن القيام بأعمال منتجة دون الاعتماد على الآخرين، وعدم قدرة الطفل على النوم إلا مع أحد والديه، ورغبة التلميذ في البقاء دائمًا مع المعلم.
وكذلك الأفراد المصابون بعوائق حسية أو جسدية أو معرفية كثيرًا ما يحتاجون إلى مساعدة الآخرين، إلا أن المبالغة في إسداء المساعدة لهم تشجعهم على الاتكال على الغير حتى في الأعمال التي يستطيعون فعلًا القيام بها.
وقد دلّت الدراسات أيضًا أن لغياب الأب أثرًا في زيادة السلوك الاتكالي مقارنة بالأطفال الذين لم يغب آباؤهم.
كما أن للمستوى الاقتصادي دورًا فاعلًا ومؤثرًا في السلوك الاتكالي. فقد توصلت دراسة إلى أن أطفال الطبقة الفقيرة لا يظهرون اتكالًا عاليًا أو ينعدم لديهم بينما يظهره أغلب أطفال الطبقتين المتوسطة والعالية. ويتأثر كذلك بمتميز الجنس فالمجتمع يتسامح مع البنت الاتكالية أكثر من الصبي الاتكالي.
- 3. أسباب نفسية:
يرى أحد العلماء أن خبرات الطفل مع أمه التي اكتسبها خلال تغذيته تعد عاملًا مهمًا في السلوك الاتكالي لما لها من تأثير كبير في حياة الطفل التالية، فحدوث أي حرمان في المرحلة الفموية يصبح إشارة للتثبيت “Fixation” على هذه المرحلة، وتكون دليلًا على الاعتمادية.
ويرى آخر أن الترتيب الولادي يؤثر في شخصية الطفل، فالطفل الأول يحظى بقدر كبير من الاهتمام حتى يولد الطفل الثاني. فيشاركه في حب والديه ويفقده وضعه الخاص فيكون اتكاليًا ويطلب مساعدة الآخرين له. وكذلك الطفل الأصغر سنًا يكون معتمدًا على الآخرين غير قادر على أساليب المبادرة والأخذ والعطاء.
الأعراض والتشخيص
يتصف الفرد الاتكالي بالسلبية والخمول والاستسلام، وعادة ما يقوم الآخرون بإدارة شؤون حياته الشخصية بسبب عدم قدرته على ذلك. كما ويتميز بضعف الثقة بالنفس وينظر إلى نفسه كإنسان عاجز ويضع حاجاته ورغباته بالمرتبة الثانية بعد حاجات ورغبات الفرد الذي يعتمد عليه في توجيه أموره الخاصة والعامة.
يشخص اضطراب الشخصية الاتكالية في النساء أكثر منه في الرجال وفي الأطفال والمراهقين لأنهم يتكلون على غيرهم عادة.
ولا بد من مراعاة العمر والأسباب البيئية عند التشخيص الذي يتم عند ظهور ما لا يقل عن خمسة من الأعراض هي:
1ـ لا يستطيع الفرد اتخاذ القرارات المناسبة حول مفردات الحياة اليومية بدون الحاجة إلى الكثير من الطمأنينة في حين أن القرارات المهمة والتي تمثل الجوانب الأساسية والرئيسية في حياته تتخذ من قبل الآخرين وعادة ما يقوم بها أحد الزوجين أو الوالدين باتخاذ القرارات المهمة والحاسمة كاختيار المهنة المناسبة أو اختيار محل السكن أو نوعية مجال الدراسة وغير ذلك.
2ـ يوافق على آراء وأفكار الآخرين حتى في حالة قناعته بأنهم على خطأ.
3ـ يعجز عن المبادرة.
4ـ يقبل تنفيذ طلبات الآخرين وإن كانت هذه الطلبات مزعجة له أو شاقة وذلك لإرضاء الآخرين أو لكي يكون محبوبًا من قبلهم.
5ـ لا يتحمل الوحدة ويحاول بكل جهده أن يتجنبها ويشعر بالحاجة إلى رفقة الآخرين ويعبر عن هذه الحاجة بطريقة تمثيلية مؤثرة.
6ـ تكون ردود فعله عنيفة وشديدة عندما تصل علاقاته بالآخرين إلى القطيعة النهائية.
7ـ يشعر بالقلق عند شعوره بأنه مهجور.
8ـ يتألم بسهولة عند تعرضه إلى النقد أو الإهمال.
وككلمة أخيرة توجه إلى من يهتم بتربية الطفل -سواء الأهل أم الأسرة أم المعلمة- إن الأطفال أمانة فلنرعها حق الرعاية ولنستشر في مثل هذه الأمور أصحاب الحكمة والاختصاص.█