كثيرًا ما سمعنا من أهلنا أقوالًا تدل على تجارب عاشوها فتركت فيهم أثرًا سعوا لنقله إلينا، ومن الأقوال الشائعة: الجار قبل الدار. 

والتمعن في هذا القول يظهر أن من أراد أن يبحث عن مسكن ليؤسس فيه أسرة قبل أن يسأل عن الحجر وعن المطل أهو مشرف على البحر أو الجبل، من المهم أن يسأل عن البشر، عن الأشخاص المحيطين به، فبحسب العادة أنت تلتقي بجارك أكثر مما تلتقي بأهلك إلا إن كان الأهل يسكنون في مبنى واحد فحينها يكون الأهل هم الجيران. 

وبالتالي إن لم يكن الأهل هم الجيران فليحرص الواحد منا أن يختار جيرة تشبه أهله وبيئته، ففي بيتك أنت تترك أمانة غالية جدًا، ألا وهي زوجك وأولادك، فهل من المقبول أن تترك هذه الأمانة في جوار موبوء؟! أو غير آمن؟! بالتأكيد لا.

وفي سياق متصل لا بد لك من التعايش مع الجيران، فالجيران غالبًا ما تجمعهم مسؤوليات وهموم مشتركة، ومن أراد أن يواجه هذه المتطلبات لا يسعه إلا أن يعمل على زرع التعاون والإحسان في تعاطيه مع الجيران. فالجار هو أول من قد يغيثك في محنتك قبل أن يصل إليك أهلك وإخوانك، لذا لا تبخل عليه بإرشاده إلى الخير والتعاون معه عليه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أوصانا بالجار وأرشدنا إلى الإحسان إليه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه رواه مسلم. 

ورسول الله صاحب الخلق العظيم أوصى أبا ذر الغفاري بالإحسان إلى الجيران وتقاسم لقمة الطعام معهم فقال عليه الصلاة والسلام: “يا أبا ذر إذا طبخت مَرَقَةً فأكثِرْ ماءَها وتعاهَدْ جيرانك” رواه مسلم وقال: “يا نساء المسلمات لا تحقرن جارةٌ لجارتها ولو فِرْسِنَ شاة” رواه البخاري، الفرسن: ما يكون في ظلف الشاة وهو شىء بسيط زهيد كأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو قلَّ، فيا أخي حري بنا أن نعمل بما أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحسن لجيراننا، لأنه عليه الصلاة والسلام أوصانا بما فيه تأدية للحقوق المترتبة علينا فللجار حق علينا ينبغي أن نؤديه.

ومن ناحية أخرى فالمطلوب منك التعاطي مع الجيران والناس عمومًا بحسن الخلق، ومن حسن الخلق أن تتحمّل أذى الناس وأن تكفّ أذاك عن الناس، فلا ترضَ أن تسبّب الضرر لجيرانك وساعدهم على دفع الأذى عنك وعن الآخرين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره” رواه البخاري، وبالمحصلة من تفكّر بما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل به يجد أن فيه الفوز العظيم وفيه هناءة العيش، فمن أحسن إلى جيرانه وعاملهم بما يحب أن يعاملوه به، وكان عونًا لهم في السراء والضراء، قد يجد منهم من المحبة والتعاون ما يجده من أخيه. ومن عمل بخلاف هذا ووضع بينه وبين جيرانه أسوار العداوة والبغضاء والمكر والأذى فأي عيش سيعيش؟!!█