الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن وصلوات الله البَرّ الرحيم والملائكة المقربين على أشرف المرسلين صاحب الشمائل والفضائل سيدنا محمد وعلى جميع إخوانه النبيين وآل كل وصحب كل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. 

أما بعد فإن الله تعالى جعل الصلاة أحد أركان الإسلام وعمود الدين وركنه المتين، ووعد من حافظ عليها بالفلاح والفوز بدار السلام، وتوعد من ضيّعها بالويل والعذاب الأليم قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ (35)سورة المعارج، وقوله في الوعيد لمن ضيّع الصلاة: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)سورة مريم.

أخي القارئ ألا تحب أن تكون من الفوج الناجين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟ ألا تحب أن تُنقذ بدنك من حر نار جهنم؟ ألا تحب أن تكون ممن يشمله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من توضَّأَ كما أُمِرَ وصَلَّى كما أُمِرَ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذنبه” رواه ابن حبان.

من منا لا يحب ذلك… أليس جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يسأله عن أمور الإسلام ومن جملة ما سأله كان عن الصلاة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “خمسُ صلواتٍ في اليومِ والليلة” قال: هل علي غيرهن؟ قال “لا إلا أن تطوّع” ثم في آخر الحديث يقول الراوي: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أفلح إن صَدق” رواه البخاري ومسلم. الرجل يُقسِم أنه لن يزيد عن الفرض الذي فرضه الله عليه وأن لا ينقص منه ومع ذلك وعده الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بالفلاح إن كان صادقًا فيما يقول. فكيف بنا إذا أتينا بها على التمام بفروضها وسننها أليس يكون الثواب أجزل والعمل أتقن.

فبعد أن تكلمنا في العدد السابق عن كيفية الإتيان بالوضوء كما أمر الله تعالى وهو الإتيان بأركان الوضوء مع سننه، نتكلم في هذا العدد عن كيفية الإتيان بالصلاة كما أمر الله تعالى ألا وهو فعل الصلاة بسننها.

فقوله صلى الله عليه وسلم: “وصلَّى كما أُمِر” أي أتى بالصلاة كاملة بأركانها وسننها.

ولكن أولًا سنبدأ بتعريف الركن. فالركن هو ما كان جزءًا من العمل ولا يصح العمل بدونه كالنية مثلًا ويكون فعله من باب الوجوب فلا تصح الصلاة بدونه، وأما الشرط فهو ما لا يصح العمل بدونه أيضًا لكنه ليس جزءًا من العمل كالوضوء فإنه خارج الصلاة ولكن لا تصح الصلاة بدون الوضوء.

وأما السنة فهي المندوب والمستحب وهي ما رغَّب به الشرع ويثاب فاعله لكن لا يعاقب تاركه، وسنن الصلاة هي الأقوال والأفعال التي رغَّب الشارع بها وفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم أو قالها في صلاته، ويترتب على فعلها الثواب وإذا تركها المصلي صحت صلاته ولا تبطل.

وأول سنن الصلاة الأذان وهو ذكر مخصوص يُعلم به دخول وقت الصلاة المفروضة. قال عليه الصلاة والسلام لمالك بن الحويرث وصاحبه: “إذا حضرتِ الصلاةُ فأذِّنا وأقيما وليؤمَّكما أكبرُكما” رواه أحمد. والإقامة مصدر أقام، سمي بها الذكر المخصوص لأنه يقيم إلى الصلاة.

أما كيفية الصلاة كاملة فهي أن تنوي الصلاة بعينها من ظهر أو غيرها مع نية فعلها ونية الفرضية إن كانت الصلاة فرضًا، وهذه النية تكون واجبة فتقول: نويت أن أصلي فرض الظهر -مثلًا-والأحسن أن تستحضر أنك تصلي لله تعالى.

ويجب عليك القيام في الصلاة إن كنت قادرًا، لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: “صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جَنب” رواه البخاري. فلا تصح صلاة الفرض ممن صلى جالسًا إلا أن تلحقه بالقيام مشقة شديدة لا تُحتمل عادة.

ثم تكبّر تكبيرة الإحرام فتقول: الله أكبر مستحضرًا النية مع التكبيرة، ويسن لك عند التكبير أن ترفع كَفَّيْك إلى أن تحاذي أطرافُ أصابعك أعلى أذنيك وإبهاماك شحمتي أذنيك وتكون راحتا يديك إلى القبلة مكشوفتين.

ثم يسن لك أن تقبض بيمينك كوع يسارك -والكوع هو العظم الذي يلي الإبهام- ويكونا تحت صدرك وفوق السرة.

ويسن لك قبل قراءة الفاتحة أن تقرأ دعاء التوجه فتقول في دعائك: “وجهتُ وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرتُ وأنا من المسلمين” ثم تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فتقول: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم” وتُسِرّ فيهما، أي فلا يسن لك أن ترفع صوتك في دعاء التوجه ولا في التعوّذ وإن كانت الصلاة جهرية، والصلاة الجهرية هي التي يسن فيها قراءة الفاتحة للإمام والمنفرد –وهو من لا يصلي في جماعة- بصوت مرتفع، ومواضع الجهر صلاة الصبح والركعة الأولى والثانية من المغرب والعشاء، وفي صلاة الجمعة والعيدين وخسوف القمر والتراويح ووتر رمضان وركعتي الطواف ليلًا أو وقت الصبح. وأما مواضع الإسرار فما عدا هذه.

ثم تقرأ الفاتحة بلفظ صحيح مراعيًا التشديدات الأربع عشرة والمدود. ثم يسن لك أن تؤمّن فتقول آمين رافعًا صوتك في الصلاة الجهرية سواء كنت إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا إلا أن المراة لا ترفع صوتها بقول آمين في حضرة الأجانب.

ويسن بعد ذلك قراءة سورة غير الفاتحة ويحصل أصل الاستحباب بقراءة شىء من القرءان ولكن قراءة السورة أحب.

ثم تكبّر للخفض إلى الركوع وأكمل الركوع أن تنحني من غير انخناس بحيث يصير ظهرك مع العنق كالصفيحة الواحدة وتنصب ساقيك وتأخذ ركبتيك بيديك، وتجب في الركوع الطمأنينة وأقلها أن تستقر أعضاؤك بحيث ينفصل رفعك عن هُوِيّك. ويسن لك أن تقول في ركوعك: “سبحان ربي العظيم” ثلاث مرات، ومن الأذكار التي تُذكر في الركوع “خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي”.

ثم تعتدل، والاعتدال هو عود المصلي إلى ما كان عليه قبل الركوع، وتقول مع ابتدائك الرفع من الركوع: “سمع الله لمن حمده” -أي تقبّل الله حمده وجازاه عليه- ثم تقول سرًا: “ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شىء بعد” ومن الأذكار التي تذكر بعد هذا “أهل الثناء والمجد أحقُّ ما قال العبد وكُلّنا لك عبد، لا مانع لما أعطيتَ ولا معطي لما منعتَ ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدّ”، رواه البخاري، ويسن رفع اليدين في الركوع والرفع منه.

ويسن لك إن كنت تصلي الصبح أن تقول بعد اعتدالك دعاء القنوت: “اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنه لا يَذلُّ من واليت، ولا يَعزّ من عاديت، تباركتَ ربنا وتعاليتَ فلك الحمدُ على ما قضيت، أستغفرُك وأتوبُ إليك، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم”. ويسن أن يأتي به الإمام بلفظ الجمع فيقول: “اهدنا” فقد قال عليه الصلاة والسلام: “لا يَؤم رجلٌ قومًا فيخُصَّ نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم” رواه أبو داود. ويسن رفع اليدين في القنوت ويسن لكل داع أن يرفع بطن يديه إلى السماء إن دعا بتحصيل شىء، ولا يمسح المصلي وجهه في الصلاة، وسن للإمام أن يجهر به.

ثم تكبّر لهويك إلى السجود وتهوي بلا رفع اليدين، فتضع ركبتيك على الأرض أولًا ثم يديك ثم جبهتك مكشوفة وأنفك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أُمِرتُ أن أَسْجُدَ على سبعةِ أَعْظُم” رواه البيهقي، فيجب أن تضع جزءًا من ركبتيك ومن باطن كفيك ومن باطن أصابع قدميك وجبهتك على مصلاك.

وتجب الطمأنينة فيه أيضًا والتثاقل بحيث ينال موضعَ السجود ثقلُ الرأس، ولا يكفي أن يمس رأسُك موضع سجودك من غير تحامل، بل تتحامل عليه بحيث لو كان تحت جبهتك قطن وتحت القطن يدُك لانكبس القطن ولظهر أثر الثقل على يدك، والتنكيس بأن تجعل أسافلك أعلى من أعاليك، ويسن لك أن تقول في سجودك: “سبحان ربي الأعلى” ثلاث مرات ومن الأذكار في السجود “اللهم لك سجدتُ وبك آمنتُ ولك أسلمتُ سجدَ وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره”.

ثم تجلس بين السجدتين في كل ركعة والأفضل أن يكون جلوسك على رجلك اليسرى ناصبًا قدمك اليمنى قائلًا: “اللهم اغفر لي وارحمني وارفعني وارزقني واهدني وعافني” ويجب أن تطمئن فيه.

ويسن أن تضع يديك على فخذيك قريبًا من ركبتيك في الجلوس للتشهد الأول والأخير فتبسط اليد اليسرى أي لا تقبض من أصابعها شيئًا فتتوجه جميعُها إلى القبلة، ويستحب أن تكون منفرجة الأصابع حتى الإبهام، وتقبض أصابعَ اليد اليمنى إلا المسبحة -وهي التي تلي الإبهام- فتشير بها متشهدًا– أي ترفعها عند تلفظك بالهمزة من لفظ “إلا الله” ويستحب أن تكون منحنية قليلًا من غير تحريك، ويستحب أن يكون رفعها إلى القبلة، وأن تستحضر بالرفع التوحيد والإخلاص.

ثم تجلس للتشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأكمله أن تقول: “التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله” وأقله: “التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله”. وأقل الصلاةِ على النبي صلى الله عليه وسلم أن تقول: “اللهم صل على محمد” ويستحب أن تزيد في التشهد الأخير الصلاة على الآل فتقول “وعلى آل محمد” وإذا أردت الأكمل تقول: “اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد”.

ويسن الافتراش في جميع الجلسات الواقعة في الصلاة إلا ما سيأتي، فيسن مثلًا في الجلوس بين السجدتين والجلوس للتشهد الأول، وهيئة الافتراش أن تفرش رجلك اليسرى بحيث يلي ظهرها الأرض وتجلس عليها وتنصب قدم اليمنى وتضع أطراف أصابعها للقبلة.

ويسن التورك في الجلسة الأخيرة وهي جلوس التشهد الأخير الذي يعقبه السلام وذلك بأن تفرش قدمك اليسرى وتنصب اليمنى وتخرجها من تحتك وتلصق وركك بالأرض وإلا بأن كان لا يعقب التشهد الأخير سلام كأن أردت مثلًا سجود السهو بعدُ فلا تتورك بل تجلس مفترشًا كما تقدم.

ثم السلام، والواجب منه التسليمة الأولى أما الثانية فهي مستحبة، وأكملها أن تقول: “السلام عليكم ورحمة الله”، ويسن أن تبدأ السلام متوجهًا إلى القبلة وتنهيه مع تمام الالتفات، وأن تكون الأولى عن يمينك والثانية عن يسارك، وأن تفصل بين التسليمتين.

هكذا كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فما أجمل أن نقتدي به وبسنته، فالحمد لله الذي هدانا إلى معرفة ما ترتفع به درجاتنا ويثقل به ميزاننا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

وفي الختام ندعو بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو به: “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وَهَب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب”.

 والحمد لله رب العالمين.█