هو السيد الحسيب النسيب أبو العباس سيدي أحمد بن علي بن إبراهيم الحسيني، أبو العباس شهاب الدين البدوي الشريف رضي الله تعالى عنه، وشهرته في جميع أقطار الأرض تغني عن تعريفه، ولكن نذكر جملة من أحواله تبركًا به فنقول وبالله التوفيق: 

مولده

ولد رضي الله عنه سنة 695هـ بمدينة فاس بالمغرب وذلك أن أجداده انتقلوا أيام الحجاج إليها حين كثر القتل في الشرفاء، فلما بلغ سبع سنين سمع أبوه قائلًا يقول له في منامه: يا علي انتقل من هذه البلاد إلى مكة المشرفة فإن لنا في ذلك شأنًا، وكان ذلك سنة 306هـ، قال الشريف حسن أخو السيد أحمد رضي الله عنه: فما زلنا ننزل على عرب ونرحل عن عرب فيتلقوننا بالترحيب والإكرام حتى وصلنا إلى مكة المشرفة في أربع سنين فتلقانا شرفاء مكة كلهم، وأكرمونا، ومكثنا عندهم في أرغد عيش حتى توفي والدنا سنة  726هـ، ودفن بباب المعلاة، وقبره هناك ظاهر يزار في زاوية، قال الشريف حسن: فأقمت أنا وإخوتي وكان أحمد أصغرنا سنًا، وأشجعنا قلبًا.

سبب تلقيبه بالبدوي والعطاب والسطوحي

كان رضي الله عنه كثيرًا ما يتلثم بلثامين ولذلك لقب بالبدوي لأنه أشبه البدو في وضعهم للثام. وكان رضي الله عنه من أشجع فرسان مكة وكانوا يسمونه في مكة العطاب، فلما حدث عليه حادث الوله تغيّرت أحواله، واعتزل عن الناس، وكان رضي الله عنه رأى الهاتف في منامه يقول له: يا أحمد سر إلى طنطا فإنك تقيم بها، وتربي بها رجالًا، وكان ذلك في شهر رمضان سنة 436هـ، فدخل رضي الله عنه مصر ثم قصد طنطا فدخل على الحال مسرعًا دار شخص من مشايخ البلد اسمه ابن شحيط فصعد إلى سطح غرفته وكان طول نهاره وليله قائمًا شاخصًا ببصره إلى السماء، وقد انقلب سواد عينيه حمرة تتوقد كالجمر وكان يمكث الأربعين يومًا وأكثر لا يأكل ولا يشرب ولا ينام وهو على حاله جالس على السطح يتأمل السماء ومن هنا لقّب بالسطوحي.

مسيره إلى العراق ثم إلى طنطا وتوبة بنت بري على يديه

وفي شوال سنة 336هـ رأى البدوي في منامه ثلاث مرات قائلًا يقول له: قم، وسر إلى طنطا فإن بها مقامك أيها الفتى فقام من منامه، وشاور أهله وسافر إلى العراق، فلما فرغ  السيد أحمد البدوي من زيارة أضرحة أولياء العراق كالشيخ عدي بن مسافر وغيره، خرج قاصدًا إلى ناحية طنطا فأحدق به الرجال من سائر الأقطار يعاندونه، ويعارضونه، فأومأ أحمد البدوي رضي الله عنه إليهم بيده فوقعوا أجمعين فقالوا له: يا أحمد أنت أبو الفتيان فانكبوا مهزومين راجعين.

 من أحواله العجيبة

من أحواله العجيبة واعتقاد الناس فيه خيرًا ما ترويه أم تلميذه السيد عبد العال فتقول: خرج سيدي أحمد رضي الله عنه مرة إلى ناحية “فيشا المنارة” فتبعه الأطفال فكان منهم ابني عبد العال، وعبد المجيد فورمت عين السيد أحمد رضي الله عنه فطلب من عبد العال بيضة يعملها على عينه فقال عبد العال: وتعطيني الجريدة الخضراء التي معك؟ فقال سيدي أحمد رضي الله عنه له: نعم، فأعطاها له فجاء إلي وقال هنا بدوي عينه توجعه فطلب مني بيضة وأعطاني هذه الجريدة فقلت: ما عندي شىء فرجع فأخبر سيدي أحمد رضي الله عنه فقال: اذهب فأتني بواحدة من الصومعة فذهب عبد العال فوجد الصومعة قد ملئت بيضًا فأخذ له واحدة منها، وخرج بها إليه، ثم إن عبد العال تبع سيدي أحمد رضي الله عنه من ذلك الوقت ولم أقدر على تخليصه منه فكنت أقول: يا بدوي الشؤم علينا فكان سيدي أحمد رضي الله عنه إذا بلغه ذلك يقول: لو قالت: يا بدوي الخير كانت أصدق ثم أرسل لها يقول: إنه ولدي من يوم قرن الثور، وكانت أم عبد العال قد وضعته في معلف الثور وهو رضيع فطأطأ الثور ليأكل فدخل قرنه في القماط فحمل عبد العال على قرنيه فهاج الثور فلم يقدر أحد على تخليصه منه فمد سيدي أحمد رضي الله عنه يده، وهو بالعراق فخلصه من القرن فتذكرت أم عبد العال الواقعة، واعتقدته من ذلك اليوم.

ومما اشتهر به السيد البدوي تخليصه للأسرى من أيدي الإفرنج، فقد روى أحد الأسرى عنه فقال: بينا أنا في بلاد الإفرنج آخر الليل توجهت إلى سيدي أحمد -أي صار يطلب الأمداد من السيد أحمد البدوي- فإذا أنا به، فأخذني، وطار بي في الهواء، فوضعني هنا، فمكثت يومين، ورأسي دائر عليّ من شدة الخطفة رضي الله عنه -أي بقي يومين يشعر بدوار في رأسه بسبب ذلك-.

وكان ممن يعتقد في السيد أحمد البدوي رضي الله عنه اعتقادًا عظيمًا الملك الظاهر بيبرس أبو الفتوحات، وكان دائمًا ينزل لزيارته، ولما قدم السيد أحمد البدوي من العراق خرج هو وعسكره من مصر فتلقوه، وأكرموه غاية الإكرام.

صفته

كان رضي الله عنه غليظ الساقين طويل الذراعين كبير الوجه أكحل العينين طويل القامة قمحي اللون، وكان في وجهه ثلاث نقط من أثر جدري، في خده اليمين واحدة، وفي الأيسر ثنتان، أقنى الأنف على أنفه شامتان من كل ناحية شامة سوداء أصغر من حبة العدس، وكان بين عينيه جرح موسى، جرحه ولد أخيه الحسين بالأبطح حين كان بمكة، ولم يزل من حين كان صغيرًا باللثامين، والغرزتين.

وفاته

مات رضي الله عنه سنة خمس وسبعين وستمائة، واستخلف بعده على الفقراء السيد عبد العال الذي هو أحد تلاميذه رحمهما الله تعالى رحمة واسعة ونفعنا بهما في الدنيا والآخرة. █