“لا أريد الذهاب إلى المدرسة…بطني يؤلمني”، و”لا أحد في المدرسة يحبني” كم مرة سمعتم هذه العبارة أو شبهها من أولادكم؟ كم مرة عاد ولدكم من المدرسة حزينًا يشكو من ضرب رفاقه له؟ أو استهزائهم به أو باسم أسرته؟ وكم مرة رأيتم دموعهم تنهمر بسبب عبارة مؤذية وجّهها لهم تلميذ في مدرستهم؟ 

ما الذي يحصل مع أولادنا وما الذي يعكر صفو أيامهم الدراسية ويجعلها سوداء حزينة؟

هل فكرتم يومًا أن ولدكم قد يكون ضحية من ضحايا “التنمّر المدرسي”؟

نعم، لقد نال التنمّر أو الاستقواء من بعض أبنائنا وبناتنا بعدما كان منتشرًا في مدارس الغرب ومجتمعاتهم. وصل التنمّر المدرسي إلينا بعدما كنا فقط نعرف عنه عبر الإعلام ونشاهد ضحاياه على شاشاتنا الصغيرة.

فما هو هذا الوباء؟ ولماذا يصل بعض الأولاد في المدرسة إلى ضرب أقرانهم والاستقواء عليهم؟ وما العلاج؟

التنمّر المدرسي: “بلطجة” بما للكلمة من معنى…

هو الاستقواء والتسلط على شخص هو أقل من المتنمّر قوة على الصعيد النفسي أو الاجتماعي أو الجسدي. بعبارة أخرى التنمّر هو “البلطجة” حيث يستخدم المتنمّر أساليب الترهيب والتخويف تجاه ضحيتهم دون مراعاة لهم بل دون رحمة بحالهم.

يُعرَّف التنمّر على أنه سلوك عدواني متكرر يهدف للإضرار بشخص آخر عمدًا، جسديًا أو نفسيًا، ويهدف إلى اكتساب السلطة على حساب شخص آخر.

ما هي أسبابه؟

ساهم في إفشاء التنمّر في مدارسنا وبين أولادنا أمور عدة نختصرها بالنقاط السبعة الآتية:

المتنمر: ما هي بعض تصرفاته؟

يمكن أن تتضمن التصرفات التي تعد تنمرًا:

 إحراج الشخص أمام الآخرين.

 تعذيب الفريسة والفرح والتلذذ بذلك.

 تهديد بالضرب أو الفضيحة “ولو عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.

 توجيه الإهانات والسباب.

 التعنيف الجسدي والمعنوي.

 التنابز بالألقاب.

 الإساءات اللفظية أو المكتوبة.

 الإقصاء المتعمد من الأنشطة، أو من المناسبات الاجتماعية.

يتصرف المتنمرون بهذه الطريقة كي يُنظر إليهم على أنهم محبوبون أو أقوياء أو قد يتم هذا من أجل لفت الانتباه. ويمكن أن يقوموا بالتنمّر بدافع الغيرة أو لأنهم تعرضوا لمثل هذه الأفعال من قبل كما ذكرنا سابقًا.

هل للتنمر عمر معين؟

قد يبدأ التنمّر في عمر السنتين إلا أن ذروته تكون بين الصف السادس والثامن ثم قد يقل تدريجيًا إلى أن يختفي في مرحلة الجامعة أو قد يأخذ أشكالًا أقل حدة وقسوة. وتشير بعض الدراسات إلى أن التنمّر الجسدي بين الذكور هو أكثر منه بين الإناث وأن التنمّر اللفظي هو أكثر بين الإناث.

ناقوس الخطر: كيف أعرف أن ابني يتعرض للتنمر؟

قد تظهر على الأولاد إشارات تساعدنا في التعرف على أن هذا الولد يقع فريسة التنمّر المدرسي ومنها:

– عودته إلى البيت بثياب ممزقة وظهور كدمات أو جروح غير مفسرة على جسمه أو وجهه.

– كونه لا يرغب بالذهاب إلى المدرسة.

– عدم الرغبة الاختلاط بأصدقائه.

– تذمره من أوجاع مزمنة في البطن أو الرأس أو إسهال أو تبول ليلي غير إرادي “مع استبعاد السبب الفيزيولوجي”.

– تراجع ميله للدراسة بعدما كان يظهر اندفاعًا لإتمام عمله المدرسي.

– ظهور عليه علامات القلق والتوتر.

–  معاناته من قلة الثقة بالنفس.

–  معاناته من فقدان الشهية أو تغير في نظامه الغذائي -كالشراهة-.

– تغير في نظام نومه -مثلًا يعاني من أرق أو لديه كسل أو إفراط في النوم-.

– معاناته من تقلب في المزاج خصوصًا بعد عودته من المدرسة -غضب، عصبية، عنف مع إخوته…-.

– أحلام مزعجة وكوابيس.

ونشير إلى أن ما ذكرناه لا يعني أن تحصل هذه العوارض مرة واحدة وتختفي بل إن تكرارها واستمرارها لفترة تفوق الشهر مثلاً وحدتها هي التي تدق ناقوس الخطر. 

ماذا أفعل؟

نقترح عليك النقاط التالية إن كنت تظنين أن ابنك أو ابنتك قد يكونان يتعرضان للتنمر المدرسي:

1- اسألي طفلك: كيف كان يومك؟ مع من لعبت ومع من تناولت طعامك في المدرسة؟

2- قومي بمراقبة طفلك -أو طفلتك- وانتبهي لوجود تغيرات ملحوظة غيّرت في مزاجه أو نومه أو أكله.

3- راجعي مدير المدرسة، وخصوصًا مربي الصف ولا تخجلي من طرح الاستفسارات التي تخص سلوكيات طفلك داخل الصف. 

4- تكلمي إلى زملائه في الصف.

5- قومي بنشاط رياضي أو غيره كالتلوين أو الطبخ أو الخياطة أو المشي وبادري بالدردشة وفتح المواضيع العامة وافسحي عند ذلك المجال كي “يفضفض” لك طفلك أثناء هذا النشاط ولا تجعليه يشعر أنه في جلسة استجواب مثلًا قولي له: “عندما كنت في المدرسة، كان لدي أصدقاء كثر ألعب معهم… وكنت أحبهم… فمن هو صديقك المفضل؟ لماذا تحبه؟ هل يزعجك أحد؟” 

كيف أساعد من وقع فريسة التنمّر؟

دور الأهل: المسؤولية الكبرى تقع على الأهل وتتمثل في:

– إيجاد جو من الأمان والثقة ليتمكن الطفل من إخبارهم بما يعانيه أو يتعرض له فمثلًا إن بدأ بإخبارهم أنه يتعرض للضرب فلا يقول له الأهل: كيف تسمح بذلك؟ هل أنت غبي؟ هل أنت خروف؟

– التحاور بأسلوب حكيم لكسب ثقة الطفل، إذ غالبًا ما يهدّد الطفل المتنمر فريسته ويأمره بعدم إخبار أحد.

– إخبار مدير المدرسة والمعلمين بما يتعرض له الطفل من مضايقات وتنمر من قبل غيره دون الوصول إلى شجار وخلافات مع الإدارة.

– عدم تشجيع الطفل على الرد بأسلوب عنيف، كي لا يتعرض لمزيد من الأذى أو يُتهم بالمشاغبة فلنبتعد عن مقولة “اضرب من ضربك” لأنها ليست من التربية الإسلامية التي تحثّ على الإحسان.

– تجهيزه بعدد من المفردات لما ينبغي أن يقوله كي يكون مستعدًا للرد عندما يتعرض المتنمرون له فمثلًا نقول للولد: قل لمن يسخر من اسم أسرتك “هذا ليس مضحكًا” أو “إن ما تفعله أمر معيب”. أو انظر إلى عيني المتنمر وقل له “أريدك أن تتوقف عن ذلك الآن…” أو “سأصفح عنكم لله تعالى”، ثم ابتعد عنهم وتجاهل أي تعليقات أو سخرية منهم.

– إبعاد الطفل عن طريق المتنمرين وتجاهلهم.

– طلب مساعدة الأستاذ أو أي شخص راشد آخر.

– تطمين الطفل وجعله يعرف بأنه ليس الملوم وأن ما يحدث معه ليس خطأه ولا تضع اللوم عليه.

– تشجيع الطفل على البحث عن أصدقاء يثق بهم وألا يبقى بمفرده فالمتنمرون لا يميلون إلى إزعاج من يكون ضمن مجموعة.

– التواجد في مكان آمن في المدرسة مليء بالناس، لأن المتنمر لن يؤذيه في الأماكن المزدحمة لأنه لا يتنمّر أمام الناس.

– عرض حالة الطفل على المرشد ومدير المدرسة وطلب المساعدة العاجلة.

دور المدرسة: للمدرسة والمجتمع دور هام أيضًا في بتر هذا السلوك ومساعدة المتنمر على تعديل سلوكه ومساعدة الطفل الذي يقع فريسة التنمّر على كسب ثقته بنفسه ومن أهمها ردع المتنمر بحكمة ودون استخدام العنف وتعليمهم كيفية التصرف بأدب وإحسان عبر تقليد أهل الصلاح والاقتداء بهم.

إسلامنا الجميل…

كيف يحل هذه المشكلة؟

إن في القرءان الكريم والسيرة النبوية الكثير من الآيات والمواقف والقصص التي تحثّ على مكارم الأخلاق والإحسان لمن أساء ولمن أحسن.

لذلك، فإن الرجل الدّين الحكيم القادر على كسب ثقة أحد الطرفين  أو كليهما هو الأقدر على إحداث تغيير في سلوك الشخص مع تعاون الأهل. فيذكر مثلًا بأهمية تعلم علم الدين وتطبيق هذا العلم ويقص مواقفَ من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها عن إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم وأنه صلى الله عليه وسلم كان بقوة أربعين رجلًا من الأشداء، مع هذه القوة الجسدية التي رزقه الله إياها لكنه كان حكيمًا رحيمًا لا يظلم ولا يبطش. ويذكرهم كذلك بأحاديث تحث على الرحمة: فقد قال عليه الصلاة والسلام “ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا” وقال: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” رواهما البخاري.

وختامًا نقول: إن التنمّر وباء لا بد من علاجه بحكمة وبطريقة تربوية سليمة دون أن نعالج العنف بعنف والأذى بأذى أكبر.█