لوحة مجردة ناصعة البياض ومشروع تحفة فنية، يتأملها الرسام بتأنٍ ويختار بعناية ألوانها، وبدقة كبيرة يتعامل مع فرشاته لينتج لوحات غالبًا ما يرضى عنها بل ويفخر بها. تتشابه هذه الصورة بما ينبغي أن تكون عليه مقاربتنا لصحة أولادنا في صغرهم، فلا نلوّن حياتهم إلا بألوان مناسبة تعزّز نموهم ببيئة صحية قد تساهم في إبعاد بعض الأمراض المزمنة عنهم. تعالوا معي في رحلة اكتشاف الألوان التي تجمّل لوحات صحة أطفالنا بما يرضينا ويقويهم.
لا للأسود الضار
الأسود لون غير جميل على الأسنان وبشع جدًا في رضَّاعة الأطفال، وحتمًا منفر على الشفتين والأصابع، ومقزز على جدار الرئتين. فأين يكمن وكيف نتجنبه؟
سواد الأسنان
كثير منا يربطون بين حبهم وحب أسرهم لأطفالهم بما يقدمونه لهم من بطاطس وعصائر محلاة ومشروبات غازية وشوكولا وعلكة وبسكويت، حتى يكاد البعض يتنافس على جذب حب الطفل أكثر بتقديم كميات أكبر وخيارات أوسع من هذه الأطعمة التي تضعف فائدتها الصحية بل أحيانًا قد تضرّ به. فتجد أن الأطفال يتناولون هذه الأشياء بوفرة وباستمرار. إضافة إلى ذلك، لا يهتم كثير من الأهل بصحة ونظافة الأسنان متذرعين بأنها أسنان الحليب التي سيستبدلها الأطفال قريبًا. كل ذلك يجعل من أفواههم مرتعًا للبكتيريا وتآكل الأسنان إلى أن تسوَدَّ كلها وتبدأ بالاختفاء نتيجة لتآكلها. بهذا يصبح كثيرٌ من الأطفال موضع سخرية قرنائهم وتبدأ رائحة الفم الكريهة بالتزايد منفرة كل من حولهم ناهيكم عن آلام الأسنان واللثة وحتى الفك أحيانًا. في بعض الحالات التي أعرفها اضطر الأهل إلى إدخال أطفالهم إلى المستشفى وتعريضهم لتخدير عام لكي يتسنى لطبيب الأسنان العمل على ترميم بعضها وقلع الآخر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى يُخَلِّص الطفل من آلامه ويساعده على النطق والأكل بطريقة سليمة مرة أخرى بعد أن حُرِمَ من ذلك نتيجة وضع أسنانه الرديء. إضافة إلى ذلك، فإن تسوس الأسنان اللبنية قد يؤدي إلى نمو الأسنان الدائمة مسوَّسة منذ ظهورها بسبب مرض التسوس المزمن. فرأفة بأطفالنا، دعونا نبعدهم عن هذه المعاناة باختيار الأطعمة المناسبة والحرص على تنظيف الأسنان جيدًا. ينصح أطباء الأسنان بالبدء بالعناية بأسنان الأطفال في وقت مبكّرٍ جدًا، فينصحون مثلًا بتدليك لثة الأطفال بلطف بعد شرب الحليب بإصبع نظيف مبلولة بالماء وبالشاش المستعمل لتنظيف الجروح على أن يكون مبلولًا بالماء على أول الأسنان التي تنبت عند الأطفال.
سواد المشروبات الغازية
من أكثر المناظر التي تثير حفيظتي -غضبي- من الناحية الصحية رؤية بعض الأطفال الذين يستعملون الرضاعة ويشربون فيها المشروبات الغازية، ويتذرع بعض الأهل بأنهم خفّفوا تلك المشروبات بالماء. في هذه المشروبات من الضرر ما ينبغي أن يدفع بنا إلى ترك شربها نهائيًا، فكيف بالأطفال الذين هم في طور النمو؟ المشروبات الغازية غنية بالسكر المكرر والألوان والكافيين والفوسفور، وهو معدن يدخل في تركيب العظام إضافة إلى أدوار أخرى يلعبها في الجسم. أظهرت بعض الدراسات أن كثرة الفوسفور تؤثر على قدرة الجسم على امتصاص الكالسيوم، وأن الكافيين يؤثر أيضًا على محتوى الكالسيوم في العظام، وقد يؤدي ذلك إلى ضعف في بنية العظام إذا ما كان استهلاك الكالسيوم غير كافٍ. لذلك علينا أن نبعد أطفالنا عن هذه المشروبات وأن نكون قدوة لهم بامتناعنا عن الإسراف في تناولها وإفهام أطفالنا أن هذه المشروبات غير مناسبة للصغار.
سواد دخان السجائر والنرجيلة
في عصر أحد الأيام، أخذت طفلَيَّ الصغيرين للعب في مكان مغلق مخصص للعب الأطفال، فأول ما استقبلني دخان كثيف على المدخل المؤدي لغرفة اللعب وأطفال على أحضان المدخنين أو بينهم. أعود أدراجي بطفليَّ باكيين خشية أن يصاب أحدهما بأزمة ربو، وأحاول عبثًا فهم الأعذار التي يقنع بها البعض أنفسهم ليُدَخِّنوا أمام صغارهم بهذه الطريقة المفرطة. في شتاء أو صيف، ترى بعض الأهالي لا يستغنون عن نرجيلتهم أو سجائرهم حتى في وجود أطفال مرضى بالزكام أو النزلة الصدرية أو التهاب الشعب الهوائية. التدخين مضر بالصحة أهالينا الكرام، وإن لم يدخن الأطفال مباشرة، فتعرضهم لتدخينكم ولمخلفات الدخان في الغرف وعلى الأثاث والثياب يفتك بجهازهم التنفسي من حيث لا تُقَدِّرون، فبحسب مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها “CDC”، لا توجد هناك كمية “آمنة” أو خالية من الأخطار من التعرض للتدخين الثانوي، فالتعرض لكميات ولو ضئيلة من التدخين قد تكون مضرة للصحة. فمن تأثيرات التعرض للتدخين الثانوي عند الأطفال على سبيل التعداد لا الحصر:
-التهاب الأذن.
-أزمات ربو شديدة ومتكررة.
– سعال وعطس وضيق تنفس.
– التهابات في الجهاز التنفسي كالتهاب الشعب الهوائية أو الرئتين.
وقد أظهرت دراسة أجريت في كندا على 1800 طفل بين عمر 10-12 سنة أن تعرض الأطفال للتدخين في السيارة أو البيت ينتج عنها ظهور عوارض الاعتماد على النيكوتين عند بعض هؤلاء الأطفال، مثل الكآبة ومشاكل النوم والقلق وسرعة الانفعال ومشاكل في التركيز وزيادة في الشهية وعدم القدرة على الجلوس والهدوء. وهذا ما تؤكده المؤسسة الوطنية للصحة في أمريكا التي تشرح كيف أن التعرض للتدخين الثانوي بمستويات معتدلة يؤدي بالنيكوتين للدخول إلى الدماغ، أي كما يحدث مع المدخن نفسه. هذا يؤدي إلى لجوء الأطفال في عمر المراهقة إلى التدخين وزيادة احتمال إدمانهم عليه ويجعل من الصعب عليهم الإقلاع عن التدخين.
عزيزي الأب، عزيزتي الأم، أولادنا أمانة في أعناقنا، ومن أوضح علامات حبّنا لهم الاهتمام بتعليمهم أمور دينهم وبصحتهم، فقبل أن نختار ثياب العيد ووسائل ترفيههم ونقوم بتصوير كل ما يُقْدِمون عليه، حري بنا أن نبني أسسًا صحية سليمة يكبر في ظلها أطفالنا ويعتادونها حتى تصبح نمط حياة. احرصوا على زرع هذه المفاهيم منذ الصغر حتى لا يشوب السواد نقاء حياتهم، وكونوا في نشأتهم قدوة حسنة لا تملك ريشتكم إلا رسم كل ما هو جميل وأبيض من حولهم.█