الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجهم واستنَّ بسنتهم إلى يوم الدين.
أما بعد فقد دعا الإسلام إلى الرفق في كل شىء ومن ذلك الرفق بالحيوان، فقد حرّم الله أذية الحيوان سواء بحبسه أم تجويعه أم غير ذلك.
والرفق ضد العنف والشدّة، ويُراد به اليسر في الأمور والسهولة في التوصل إليها، وأصل الرفق في اللغة هو النفع، ومنه قولهم: أرفق فلان فلانًا إذا مكّنه مما يرتفق به.
وينبغي على المسلم أن يُراعي الحيوان في أمور منها أن يُطعمه ولا يُجيعه ولا يُحمّله ما لا يطيق، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا سافرتم في الخِصْب فَأَعْطُوا الإبلَ حَظَّهَا من الأرض وإذا سافرتُم بها في السَّنَة فبادِرُوا بها نِقْيَهَا” رواه الترمذي، والمعنى أن يُراعوا مصلحة الدواب، فإن سافروا في الخصب قلّلوا السير وتركوها ترعى في بعض النهار وفي أثناء السير، فتأخذ حظها من الأرض بما ترعاه منها، وإن سافروا في القحط عجّلوا السير ليصلوا المقصد وفيها بقية من قوتها، ولا يقلّلوا السير فيلحقها الضرر لأنها لا تجد ما ترعى فتضعف.
فعلّمنا نبينا الأكرم عليه الصلاة والسلام أن نرفق بالحيوان فذكّرنا في حديثه الشريف أن الدابة تحملنا وتحمل أثقالنا، وكلّ عزائها أن تمرّ بأرض مخصبة تنهش منها أو ترتع فيها فتقوى على أمرها وتخفّف العناء عن نفسها، فلا تصنعوا معها صنع الحانق الناقم، أو الغافل الذي همّه نفسه وقد هيّأ لنفسه الماء والزاد والراحلة دون أن يشعر بأن راحلته لها روح مثله، فهي تظمأ وتجوع وتجهد مثله.
فالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم كان رحيمًا عطوفًا حتى بالبهائم فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطًا أي بستانًا لرجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه فأتاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فمسح ذِفْرَاهُ -مؤخّر رأسه- فسكت فقال: “من ربُّ هذا الجمل؟ لمَنْ هذا الجمل؟” فجاء فتى من الأنصار فقال: هذا لي يا رسول الله، قال: “أفلا تتقي الله في هذه البهيمةِ التي ملَّكَك الله إيَّاها، فإنَّهُ شكا إليَّ أنَّك تُجِيعُه وتُدْئبُه” رواه أبو داود.
عدم تعذيبه والمُثْلَة به
وقد نهانا شرعنا الحنيف عن تعذيب الحيوان والمثلة به فلا يجوز لنا مثلًا أن نحرق النمل وإن آذانا انتقامًا منه إن كانت هناك وسيلة لدفع أذاه بغير الإحراق، وكذلك يحرم ضرب البهيمة على وجهها ووَسْمِها في وجهها -أي جعل علامة فيه بالكَيّ بالحديد المُحمّى ونحوه – وهذا الفعل من الكبائر لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ عليه حمار قد وُسم في وجهه فقال: “لعنَ الله الذي وَسَمَهُ” رواه مسلم. ونهانا الشرع أيضًا عن المثلة بالحيوان أي تقطيع أجزائه وهو حي وتغيير خلقته فهذا حرام. ومن تعذيبه أيضًا أن يحبس عنه الطعام والشراب ولا يتركه ليأكل مما يجده في الطريق وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المرأة التي عُذِّبت في هِرَّة سَجَنَتْها حتى ماتت فَدَخَلَتْ فيها النار، لا هي أطعمتها وسَقَتْهَا إذ حَبَسَتْهَا، ولا هي تركتها تأكُلُ من خشاش الأرض -أي الحشرات-، رواه البخاري.
وكذلك من تعذيب الحيوان صعق البقر قبل ذبحه فلا يجوز ذلك لأن فيه تعذيبًا لها. وكذلك لا يجوز خصي بعض البهائم كالهر، لكن البقر يجوز خصيه قبل الكِبَر لأن لحمه يطيب بذلك لكن بعد أن يكبر لا يجوز خصيه.
ومما يحرم أيضًا غرز الدودة بنحو إبرة واتخاذها كطعم يصطاد بها السمك وهي حية لأن في ذلك تعذيبًا لها.
وأما تشريح البهائم للدراسة وهي حية بعد تخديرها فإن كانت مما يجوز قتله ولا تتعذب بذلك فيجوز.
اتخاذ الحيوان غَرَضًا
من المعاصي التي هي من الكبائر اتخاذ الحيوان غرضًا أي هدفًا كالشىء الذي ينصب ليصيبوه بالرماية كما يفعل ذلك بعض الشباب للهو وتعلم الرماية، فالشرع نهانا عن ذلك لما فيه تعذيب لهذا الحيوان.
أمور يراعيها المسلم عند التذكية
أمرنا شرعنا بأمور ينبغي مراعاتها عند ذبح الأنعام ونحوها وذكاتها، منها:
– أن يُحِدّ شفرته حتى تقطع بسرعة من غير تعذيب.
– أن يشد على قوائم البقر مثلًا ما عدا رجلها اليمنى لأن في ذلك ترويحًا عليها.
– أن يساق الحيوان برفق إلى المذبح وأن يتحرى أن لا يرى غيره من الأنعام وهو يذبح.
– وأن يعرض عليه الماء قبل الذبح.
– وأن يوجهها إلى القبلة ولا يبينَ الرأس -أي لا يفصله- وغير ذلك.
وما ذاك إلا تعاليم منه صلى الله عليه وسلم بالرفق بالحيوان قال عليه الصلاة والسلام: “إنَّ الله كَتَبَ الإحسَانَ على كُلِّ شىء، فإذا قَتَلْتُم فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذا ذَبَحْتُم فأحسِنُوا الذِّبْحَةَ، ولْيُحِدَّ أحدُكُم شَفْرَتَهُ، ولِيُرِحْ ذبيحَتَهُ” رواه ابن حبان.
فما أجمل تعاليم ديننا الحنيف، فقد سبق إلى بيان هذه الأمور من يتكلم الآن بالرفق بالحيوانات ويؤسس جمعيات الرفق بالحيوان وينفق الكثير في توفير الخدمات الصحية للحيوان وحمايته وتحسين أحواله المعيشية… فإسلامنا كافٍ شافٍ في خدمة ذلك. █