“بردت الشوربة”…
عبارة يندر أن لا نسمعها عندما نكون مدعوين إلى طعام الإفطار في شهر رمضان المبارك، والسبب غالبًا ما يكون “علقنا في زحمة سير خانقة” أو “أمضينا نصف ساعة ونحن نبحث عن مكان لركن السيارة”، وغالبًا ما نصل بعد أذان المغرب بخمس أو عشر دقائق وعندئذٍ تكون “الشوربة” بردت. وتعوّدنا في هذه المناسبة العظيمة عندما نكون مدعوين لتناول طعام الإفطار خاصة في الأيام الأولى من الشهر الفضيل حيث اعتدنا الاجتماع عند كبير الأسرة، أن نخرج قبل وقت المغرب بنصف ساعة أو أكثر لتفادي زحمة السير التي تتسبّب بها محال الحلويات والعصير وضغط السير الكبير في المدن. ونحن بهذا الأمر نكون -من غير أن نشعر- مارسنا شيئًا من الإدارة الفعالة للوقت. حسنًا إن كنا قادرين على إدارة وقتنا في عدم التأخر عن وجبة طعام، فنحن، ولا شك، قادرون على إدارة وقتنا لأمور أهم في شهر رمضان المبارك.
الحياة أولويات
إن من أنجح الطرق لإدارة الوقت في رمضان وغيره هو تحديد الأولويات. ونعني بالأولويات الأشياء المهمة والضرورية بالنسبة للشخص. ومن الطبيعي أن تكون أولوياتنا في هذا الشهر الفضيل وفي غيره عمل الطاعات والخيرات لكن نخص بالذكر شهر رمضان لأنه يمتاز عن غيره من الشهور إذ يكفينا أنه في هذا الشهر تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران. من المهم جدًا ترتيب جدول أعمالنا اليومي بما يتناسب مع فضل هذا الشهر العظيم، خاصة وأن معظم الشركات والدوائر الحكومية تقلص من ساعات عملها اليومي في هذا الشهر لذا علينا الاستفادة من هذا الوقت الإضافي من يومنا للقيام بالطاعات والاستفادة من الخيرات. ضع هذه الأعمال في رأس لائحة أولوياتك: قراءة القرءان، حضور حلقات الذكر، حضور مجالس علم الدين، الإكثار من الصلوات النافلة، إلى غير ذلك من أعمال الطاعات. لا ندعو إلى ترك أعمالنا اليومية أو إلى ترك المذاكرة لطلاب المدارس والجامعات لأنها أمور مهمة أيضًا لكن بإضافة القليل من توزيع الوقت بطريقة فعالة، ووضع كل عمل مناسب في الوقت المناسب يستطيع أي شخص منا القيام بعدة أمور في يومه الرمضاني.
“Low battery“
كثير من الناس يلجؤون إلى التذرع بحجة “ليس عندي طاقة كافية” أو “الصيام يستنفذ كل طاقتي الجسدية”. وهذه الحالة غالبًا ما تكون ذهنية أو نفسية. فالكثير من عادات الطعام التي اعتدنا القيام بها في كل أيام السنة لا نستطيع القيام بها في رمضان بسبب الصيام. على سبيل المثال لا الحصر كثير من الناس لا يستطيعون بدء نهارهم إلا بعد شرب فنجان أو فنجانين من شراب البن، أو القهوة السريعة، بل وقد يصل الأمر بالبعض إلى عدم التركيز أو التواصل مع الآخرين بطريقة فظة أو مؤذية. وهذه كلها حالات نفسية وذهنية غالبًا مع أن للإقلاع عما ذُكر أثرًا في البدن، تمامًا كشرب السيجارة. والكلام هنا عن حالة “أنا صائم”، “أنا متعب”، “أنا عطشان”، “لم أشرب القهوة والدخان هذا الصباح دعوني وشأني”. لذا في بداية الأمر ينبغي أن نجهز أنفسنا ذهنيًا ونفسيًا لهذا الشهر وأن يكون لدينا رغبة في القيام بأعمالنا اليومية بالإضافة إلى العبادات التي سبق ذكرناها. وينبغي لنا أن نتجنب التفكير بالحجج الواهنة التي غالبًا ما توصلنا إلى حالة خمول وبالتالي إلى عدم القيام بالطاعات.
حديث: “بورك لأمتي في بكورها”
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الرجل العظيم الذي نستفيد من أحاديثه وتعاليمه في كل جوانب حياتنا. فمن المهم جدًا أن نستفيد من الساعات الأولى من النهار إذ في هذا الوقت من النهار الرمضاني نكون في أعلى حالات الطاقة والانتعاش، فما تناولناه من طعام الفطور وطعام السحور تحول إلى طاقة في خلايا جسمنا ولم يستهلك بعد لذا علينا أن نستفيد من هذه الفترة من يومنا الرمضاني للقيام بأولوياتنا. فبالنسبة لبعض الطلاب في المدارس والجامعات يبدأ نهارهم بعد تناول طعام السحور، فبمجرد الفراغ منه يصلون صلاة قيام الليل أو يذكرون الله إلى أن يؤذن أذان الفجر فيُصلون الفجر ويذكرون الأوراد المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يُذاكرون ما عندهم في هذا اليوم من دروس ومحاضرات، وقد أُثبت علميًا أن الدماغ والتفكير أصفى ما يكونان في ساعات الصباح الأولى. أما بالنسبة للموظفين والعاملين فيستطيعون القيام بنفس الأمر إلا أنهم لن يذاكروا دروسهم بل يستطيعون وضع خطة أعمالهم في هذا النهار فيصلون إلى المكتب أو مكان عملهم جاهزين للقيام بمهامهم اليومية في الوقت الذي حددوه لها، وبذلك تزيد إنتاجيتهم. ليس هذا الكلام مجرد فكرة أو نظرية إنما عن سابق تجارب وخبرات الأشخاص الذين تألقوا في أعمالهم من خلال هذه العادات.
صلاتي راحة لي
سبحان الله الذي جعل لنا في صلاتنا مصلحة لنفوسنا وأجسادنا في الوقت نفسه. من تأمل في الصلاة وأركانها الفعلية والقولية يجد أن أداء هذه الأفعال من ركوع وسجود وانحناءات للجسم، فيها نوع من الاستراحة الجسدية من متاعب الحياة، فبالنسبة للأشخاص الذين يجلسون لساعات طويلة خلف مكاتبهم أو على مقاعد الدراسة، أجسادهم بحاجة إلى القيام بأفعال تمتد خلال النهار مقسّمة على فترات زمنية وهذا موجود في أركان الصلاة. كذلك الأمر بالنسبة للأشخاص الذين تتطلب مهام عملهم البقاء وقوفًا لساعات طويلة يجدون في السجود والجلوس خلال صلاتهم راحة لأقدامهم وأجسادهم، خاصة إن كانوا صائمين. حافظوا على الصلاة في وقتها، فهي راحة لكم في الدنيا والآخرة. فالحفاظ على الصلوات في وقتها يساعد الإنسان على القيام بأعماله اليومية في رمضان من التعبد والعمل في نفس الوقت من عدة نواحٍ.
أولًا: الصلاة في وقتها تساعد على تجديد الطاقة والحيوية من خلال تمتد الجسم وانحنائه. فالصلاة تساعد على استعادة طاقة الجسم وتعطينا دعمًا معنويًا وجسديًا لمتابعة أعمالنا.
ثـانـيًـا: أوقــــــات الــــصـــــلــــوات الـــخـــمــــس المفروضة مقسمة على النهار بحيث يكون لكل شخص خمس إلى عشر دقائق خمس مرات في النهار يكون له فيها فائدة نفسية وجسدية خلال أدائه للصلاة في وقتها.
ثالثًا: القيام بالوضوء وغسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين خمس مرات يوميًا يساعد في إعادة الانتعاش للجسم ويساعد على إعادة الحيوية خاصة عند حالات النعاس والإرهاق الشديدين.
في الختام علينا أن نذكّر أنفسنا وإياكم أن أساس إدارة الوقت الفعّالة في رمضان وغيره يمكن أن تُلخص بما قاله أحد الصالحين: “إذا أردت البركة في الوقت فاجعل لكل وقت عملًا”. فأساس إدارة الوقت يبدأ من ترتيب أعمالنا وتقسيمها على فترات زمنية وهذا ما يرجعنا إلى بداية كلامنا عن التأخر عن دعوة الإفطار، نحــسـب كــم مــن الــوقــت سـنـسـتـغـرق للوصول إلى المكان الذي نحن مدعوون إليه ونزيد عليه الوقت المحتمل للبحث عن مكان لركن السيارة، فإذا فعلنا ذلك نأكل “الشوربة” ساخنة ولا نسمع عبارة “بردت الشوربة”. █