سميرة أو مدام قرفلي كما يناديها تلامذتها عملت لمدّة عشرين عامًا ونيّف في مؤسسة تعليمية خاصّة كمعلمة للغة الأعجميّة. بدأت رحلتها كمتمرّنة تخرّجت من كلية التربية والتعليم، الإقدام والعطاء من سماتها، زلّت قدمها مرات عدة ككثر من كان جديدًا في أيّ عمل لكنّ العزيمة ومن لديه حب العمل الجماعي من الزملاء سانداها فوقفت مجددًا ومجددًا حتى برعت وأجادت ولا زالت إلى الآن.
وإذا ما تحدّثت إلى سميرة لوجدتها ذات اطّلاع على كل طرح حديث في ساحة التعليم، وهي واسعة الأفق محاورة مجادلة راغبة في التقدم والبذل لما فيه خير لتلاميذها حاضرًا ومستقبلًا. فإن سألتها: “لماذا لا تكملين الدراسة لتنالي شهادة أعلى؟” أجابت: “متى؟ لا يسمح الدوام الكامل لي بذلك. وإن قدّمت طلبًا للعمل بدوام جزئيّ رُفض بدعوى الحاجة للدوام الكامل. ولا أستطيع ترك العمل كذلك لحاجتي وأسرتي له” فيعلو حاجباك دهشة!
فيا مؤسّسة تعليميّة -خاصّة أو رسميّة- رفقًا بسميرة وبهدى وبارعة وكامل وعمر ففوزهم فوزك وشهاداتهم وسام تقدّمك في ميدان التعليم وبراعتهم نجاح لك فأتيحي لهم المجال لإكمال مسيرة التعلّم وبالتالي تحصيل شهاداتهم. افتحي أبواب الأمل لمن يطلبه وكوني بَيْدقًا من بيادق رُقيّ المجتمع وسموّه متّسمة بالمرونة وبعد الأفق.
باسم أو “أبو البلّ” كما يُناديه أقرانه- طالب في الثانوي الأول في مدرسة خاصة. يدرس باسم من الساعة الخامسة بعد الظهر إلى الساعة الواحدة. بعدها يستيقظ عند الرابعة ليذاكر ما أتمه ويصلّي صلاة الفجر ثم ينطلق إلى بيته الثاني وهكذا ما عدا يومي الجمعة والأحد حيث تمتد فترة الدراسة لتسع الكم الهائل من الدروس الذي أثقل كاهل المذكرة المدرسيّة كلّ يوم يليه عطلة. وعند زيارتنا لباسم بالكاد يقول: مرحبًا ثمّ ينصرف إلى غرفته ليواكب عمله. باسم كما حدّثتنا والدته لا يتخاطب مع أفراد أسرته وذويه لا لعداء بل لأنّ… الوقت لا يسع!!!
وإذا ما تحاورت مع باسم سائلًا إيّاه: “هل تمارس تمارين رياضيّة؟ هل تذهب إلى مجالس العلم؟ هل تشارك في الأنشطة الكشفيّة يوم الأحد؟” أشاح باسم بنظره بعد النّفي ثمّ قال: “لو يفسح لي المجال…”
فيا مدرسة أو ثانويّة رأفة بباسم وبخالد وبلؤي وندى وفاطمة فقوّة التلميذ أو المعلّم ليست بكثرة الدروس والوظائف المنزلية. امنحي باسمًا الفرصة لينضمّ إلى صفوف الناشطين الأصحّاء وليتحاور مع أفراد أسرته بانيًا لجسور التواصل السليم البعيد عن العزلة والقطيعة.
سارة أو أمّ دانيال كما يناديها أفراد أسرتها، زوجة عاملة تحاول جاهدة كل يوم أن لا تقصر تجاه الزوج والأولاد والمنزل والعمل فبالتالي تلقى سارة متعبة شاحبة الوجه لكن البسمة تزيّن وجهها. تتحدث معك بلباقة وانسجام بعيدًا عن الشكوى ولكن ما بان ترجم ولو لم ينطق. وإذا ما سألت عن زوجها غابت عنك صورته فهو عند الحادية عشرة ليلًا يعود من عمله فيأكل ويصلي وينام. وتبقى الأمور عند سارة لمتابعتها.
فيا زوجة ويا زوجًا رفقًا بنفسيكما. نعم مطالب الحياة واسعة وكلّما أطعمنا فاهًا كأنّ حاله يقول: “هل من مزيد؟” لكن ماذا لو اقتصرتما على الضروري فقط لربما هدأت أحوالكما ووجدتما متسعًا من الوقت لتتحدّثا معًا ومع فلذات كبديكما. ولربما أيضًا خفّ ما تحمله سارة من أثقال أو رفعها معها زوجها وسام.
وليد أو أبو عبد كما يعرفه جيران الحيّ- يعمل في مؤسّسة طوال أيام الأسبوع غير الأحد. كلّما أعلنت عطلة رسميّة تجد وليدًا غائبًا عن منزله فلا عطل لوليد ولغيره من موظّفي المؤسسة. لا لعطل رسمية- وطنية كانت أو دينية. لذا اقتصرت أيامه على الاستيقاظ والعمل والنوم والعمل وهكذا دواليك وبالطبع يتخلّلها الصلاة وتناول الطعام.
فيا صاحب المؤسّسة رأفة بموظفيك وموظفاتك فلن تنال من الرّزق والدنيا إلا ما كتب لك أو كما يقال: “نصيبك حيصيبك” ولو وصلت ليلك وليل موظفيك بنهارك ونهارهم. فارفع مرآة وانظر فيها إلى انعكاس صورتك: هم مثلك لهم حياة كما لك حياة فرأفة بهم!
سحر -“دلّوعة الصف”- في السادسة عشرة من العمر تخرج بعد المدرسة خفية عن والديها مع زميلة حذّرها والداها من التحدث معها. فهي ذاك النوع من الشابات اللواتي اخترن السوء دربًا لهن من الضحك بصوت عالٍ في الطريق، والكشف لجزء من الجسد، والكذب على أولياء الأمور في المدرسة والمنزل، وإهمال الدروس والوظائف وسرقة الأشياء الصّغيرة أحيانًا أو النقود المعدنية لصغر حجمها. وبعد سنوات من التربية والتوجيه ضاق ذرع والد سحر فأقعدها في المنزل حبيسته بعيدًا عن المدرسة تاركًا لها اختيار الصواب أو البقاء في البيت بلا دراسة.
فيا سحر ويا شابّ وشابّة رفقًا ولينًا بالآباء والأمّهات. هم اقتطعوا من أنفسهم الوقت والمال والراحة. سعوا لما فيه مصلحتكم دينًا ودنيا فكيف تكافئونهم بغير السمع والطاعة والاحترام والحبّ؟!
أمثلة لا نحصرها… ما تطرحه لنا الأيام من قضايا ولا تسع لذكرها وتداولها أسطر في مقال مجلّة. لذا سأقول موجّهة النّداء لنفسي ولكم: رأفة ورفقًا بأنفسكم وبمن حولكم. █