يصدمنا الأطفال بسوء تصرفاتهم أحيانًا… فيبكون في المتجر ويصرخون لشراء ما يريدون… أو يرمون ألعابهم ويكسرونها ليعلموكم أنهم غاضبون… أو يضربون طفلًا في اجتماع أسري فيتركونكم في حيرة من أمركم تفكرون فيم تصنعون… يصدمنا الأطفال بتصرفاتهم أحيانًا… فنسأل أنفسنا: هل نتجاهل ما يفعلون؟ هل نعاقبهم؟ هل إن قسونا عليهم سيلتزمون؟ هل نحن في تربيتهم مقصرون؟ ابتداء… إن التربية عملية تحتاج للكثير من الصبر والحكمة… لا بد فيها من اللين والتلاطف أحيانًا والحسم والحزم والعقاب في أحيان أخرى.
أعزائي القراء، تشكو بعض صديقاتي من الأمهات من سوء سلوك أولادهن وعدم طاعتهم لهن والانصياع لأوامرهن. فتنتقلن من أسلوب عقاب إلى آخر دون جدوى.
لكنني ومن خلال مساعدتهن على اكتشاف الطرق التربوية في تعديل السلوك، بواسطة العقاب أو بدونه، أجد أن كثيرًا من الأمهات اللواتي يواجهن مشاكل في ضبط أولادهن، وللأسف، ينقصهن الدعم الكافي من الأب والمحيطين بالأسرة. فتكون الأم وحدها في هذه المعركة تواجه الانتقاد ممن حولها ولا يفكر الكثير منهم في مد يد العون لها.
في هذا المقال، سنطرح موضوع التربية السليمة وبعض أسسها ونشرح كيفية التعامل مع الأولاد في مواقف مختلفة في الجزء الأول. أما في الجزء الثاني، فسنتحدث عن العقاب وكيفيته ومتى نلجأ إليه.
بعض الأسس التربوية
ابنك يراقب… فكن قدوته الحسنة
الأطفال يراقبون الكبار ويقلدونهم. فالأهل ينبغي أن يعوا تمامًا هذه الحقيقة وأن يراعوا تصرفاتهم في كل حين خصوصًا عند وجود الأطفال.
فأيتها الأم، كيف تريدين من طفلك أن يقول: “مرحبًا” أو “السلام عليكم” أو “شكرًا” إن كنت تمرين بجانب جاراتك ولا تلقين عليهن التحية ولا السلام ثم يدخل زوجك البيت حاملًا حاجيات البيت فلا تشكرينه ولا تظهرين استعدادًا لمساعدته؟
وأنت أيها الأب، كيف تريد من ابنك أن يحترم والدته إن كنتَ تنهال عليها بالصراخ وسوء الألفاظ في كل حين؟ ثم تأكل من الطعام الذي تعبت في تحضيره ولا تشكرها على إعداده؟ بل تذمّها على زيادة الملح أو نقصانه أو تتذمّر من برودته أو سخونته وأولادك في الواجهة يراقبون ويتعلّمون؟
لذا، فإن كنتم تريدون الطفل أن يتعلّم حسن الخلق واحترام الكبير فما عليكم إلا أن تكونوا قدوة صالحة لهم ومثالًا يُحتذى به.
علّموا أولادكم التعاطف
التعاطف سلوك مُحبّب يكتسبه الأطفال بسهولة أكثر من غيرهم. كيف يحصل ذلك؟ يكتسب الأولاد هذا السلوك عندما يرون التعاطف في بيتهم وبيئتهم، فتظهر الأسرة التعاطف أمام أولادهم بأن يكونوا متفهّمين ومهتمين بشعور من حولهم وأن يتعامل الأهل مع بعضهم بالتعاطف أي بمراعاة ما يحس به الآخرون.
ولا يعني التعاطف أن نجعل أبناءنا يعتذرون من الآخرين بقول: “عفوًا أو أنا آسف” في كل حين حتى لا تفقد الكلمة معناها لديهم بعد فترة. بل، نعلّمهم أن يستخدموها عندما يؤذون الآخرين وعندما يكون ما فعلوه خطأ.
وفي بعض المواقف، لا ينبغي للأهل أن يكتفوا باعتذار أولادهم. فليكن هذا الموقف فرصة لتعليم أولادهم العاطفة والتفكير قبل الفعل. مثلًا: ابنك ضرب طفلًا أصغر منه فبكى، أو أخذ لعبة كانت في يده بالقوة فبكى، فلا نكتفي هنا باعتذار الولد بل نأخذه جانبًا نخاطبه على انفراد قائلين: “هل رأيت كيف حزن هذا الصبي، هل تحب أن يضربك أحد بغير حق؟ هل تحب أن يأخذ أحد ألعابك بالقوة؟” .
وهنا أتذكر ما كانت تقوله لي والدتي، رحمها الله، إنه كان في أيامها يَمنع جيران الميت على أنفسهم وعلى أولادهم بعض الأمور مثل مشاهدة التلفزيون أو رفع صوت المذياع مراعاة لشعور أهل الميت، وكانوا كذلك يجهّزون الطعام ويرسلونه لأهل بيت الميت رحمة بحالهم ومساندة لهم، وإن كانوا ميسورين.
فماذا نتوقع من بيوت تربّى الأولاد فيها على حسن العشرة والتعاطف؟
وقت “الفضفضة”
من المهم أن يتحدث الأبوان عن شعورهم أمام أولادهم، وعن بعض يومياتهم، من غير المبالغة بالتعبير ومن غير أن يَمُنّ الأهل بما يمرون به من ضيق وتعب لتأمين حياة هانئة للطفل، بل ينفتحون أمام أولادهم بالتعبير عن شعورهم الطبيعي، مثل “كان يومي متعبًا، لكنني أنجزت الكثير ولله الحمد” أو “كان نهاري سعيدًا فقد استمتعت بزيارة جدتكم هذا الصباح”. وتكمن أهمية هذا الحوار و”الفضفضة” في إفساح المجال أمام أولادهم للتعبير عما يجول في داخلهم.
وأهمية هذا التدريب يكمن في تعويد الولد على التحدث بما يجول في حياته اليومية وما يشعر به، ليكون الوالدان على اطلاع على ما يحصل لأولادهم ويتداركوا الخلل. علمًا، أن بعض الأطفال، وخصوصًا الإناث، لا يحتاجون إلى تدريب بل لا تكاد البنت تصل إلى بيتها حتى تفتح أوراقها كاملة لأمها أو أخواتها لكن هذا لا يحصل مع الكل، بل، إن طبيعة بعض الأولاد هي الكتمان وعدم التعبير، فما المانع أن نعلّمهم أن يشاركونا شعورهم؟
اللسان الدافئ…
يؤلمني عندما أسمع قصصًا عن أولاد يتعرضون للإهانة من أقرب الناس إليهم، ألا وهم الأهل. فمثلًا، كم هو مؤذٍ للولد أن يسمع الولد من أمه أو أبيه كلمة “يا غبي” أو “يا قليل الفهم” أو “مظهرك يشبه الهمبرغر من كثرة بدانتك”.
فليُعلم أن أكثر الأولاد الذين يوجّهون كلامًا لاذعًا لرفقائهم في المدرسة، ثم لأهلهم فيما بعد، هم أشخاص تعرّضوا لمثل هذا الكلام الجارح في بيتهم. فإن كنا نريد من أولادنا التعبير بأدب وتهذيب عما يرونه حولهم، فلنساعدهم على أن يجدوا المفردات المناسبة لذلك، ولا نجعلهم يعيشون في أجواء من الانتقاد اللاذع والفظ المسيء للأدب. فإن أخطأ ولدكم في مكان ما في التعبير، فلنوجّهه دون أن نصلح خطأه بالانتقاد والتجريح. فمثلًا لو قال: “هذا الطعام مقرف” فلنعد عليه صيغة أخرى وهي: “قل: أنا لا أميل إلى هذا الطعام واحمد ربك على هذه النعمة”.
قول واحد…
يتشتت الطفل عندما لا يجد موقفًا ثابتًا موحّدًا من أمه وأبيه على أمر فعله، فيقع في الحيرة ولا يعرف الصواب من الخطأ. فمثلًا، تصدر من الولد كلمة بذيئة فيضحك الأب عليها ويفرح بما قاله الولد، ثم يجد أمه غاضبة مؤنّبة له. فهذا التضارب يجعل الولد متذبذبًا غير مطيع لأحد الوالدين أو كليهما. لذا، فإن من المهم أن يتفق الوالدان على أسلوب واحد في التربية، ولا مانع أن يختار الأب مثلًا أن يأخذ دائمًا الموقف الحازم مع أولاده أو أن تأخذ الأم الموقف اللين، فكلامنا هنا عن الاتفاق على الخطوط العريضة في التربية وتحديد الصواب من الخطأ والمقبول وغير المقبول.
مبارك… صرت أبًا
لا بد للأب من أن يعي مسؤوليته كأب وأن يستوعب كل المهام المتعلقة بالأبوة. ويحث الشرع كذلك على أهمية دور الأب في عملية التربية. فلا يترك هذا العبء على الأم وحدها فلا بد من مشاركة الأب بوقته وجهده وحاله ومقاله في توجيه الأولاد. فما المانع أن يأخذ أحد أولاده معه إلى صلاة الجمعة أو إلى المتجر لشراء حاجيات المنزل؟
وفي هذه الأيام أكثر ما يحصل هو أن يترك الأب الأولاد مع أمهم في كل الأوقات فتشعر أحيانًا وكأنهم يكبّلونها عن فعل ما تريد، فلا تستطيع أن تستمتع أحيانًا ولا لساعة واحدة مع صديقاتها، وتصلي صلاتها مسرعة خوفًا من أن يقوم أحد الأولاد بعمل يؤذيه، وتأكل طعامها باردًا بعد أن تنهي إطعام الأولاد، وفي كثير من الأحيان تأكل فضلة الطعام وتعطي لغيرها أجوده. فمن المهم أن يكون الأب حساسًا ملاحظًا ومراعيًا لهذه الأمور يأخذ عنها بعضًا من الحمل.
الدلال: أين حدوده؟
نعم، الدلال يفسد أحيانًا. فنعم لإظهار المحبة والمودة ولا للمبالغة في الدلال. فعندما يظهر الطفل استعداده للاعتماد على نفسه فلنتركه يقوم بعمل يريده ولنراقبه عن بعد. نعم، نريد أن نكرم أولادنا ونحسن إليهم ولكن لا يعني ذلك أن نرتّب لهم غرفتهم مع استطاعتهم على ترتيبها بأنفسهم.
الدين أولاً…
كانت هذه بعض الأسس التربوية السليمة التي تساعد الأهل على تربية الأطفال ولكن لم يَفُتْنا أن نذكر أن من أهم الأسس التربوية هو تعليم الأولاد من صغرهم علم الدين وأن نأخذهم بأيدينا إلى المساجد والمجالس التعليمية كي يتعلم الولد الأدبيات العامة في مثل هذه المجالس وإن لم يكن المضمون واضحًا لهم بعد.
ومن أبسط الأمور التي ينبغي أن نؤسس الولد عليها:
– قول: “بسم الله” قبل الطعام والشراب وحمد الله بعد ذلك.
– تعليمهم حمد الله عند لبس الجديد.
– تعليمهم الشهادتين وغيرها من الأمور الاعتقادية المهمة.
ونختم بأن تربية الأولاد ليست بالمهمة السهلة، لكنها من أنفس ما تصرف فيه نفائس الأوقات… فلا تعطى فضلة الوقت للتربية والتأديب حتى لا نُصدم بعد ذلك بسوء الحال التي وصل إليها أولادنا.█