ترتبط العلوم ارتباطًا مباشرًا بحياة الإنسان. فإذا تأمّلنا جيّدًا بعض الأحداث التي نصادفها في حياتنا اليوميّة، لوجدنا أنّ عددًا كبيرًا منها يخفي وراءه تفسيرًا علميًّا. أدعوكم إذًا أيها القرّاء الأعزّاء إلى متابعتي في هذا الباب العلمي الذي يُعْرَضُ فيه في كلّ عدد اكتشاف جديد في عالم العلوم، وإجابة علمية على سؤالٍ قد يطرحه أي شخص منكم بالإضافة إلى تجربةٍ بسيطةٍ يمكنكم تنفيذها في المنزل قد تساعدكم على فهم بعض الأمور العلميّة.
جديد العلوم “تنظيف البحر بالزيت والفواكه”
إذا صودف مرورك بجانب أحد المرافئ، تأمّل جيّدًا ماء البحر هناك. تراها تلمع كالمرآة ولكن، للأسف، لا لصفائها بل لتلوّثها بوقود السفن. ومع تزايد حركة الملاحة البحريّة، والحوادث المؤسفة التي تتعرّض لها العديد من السفن في طريقها، ازدادت نسبة تلوّث مياه البحر بالنفط. لذا بات من المهمّ وجدان حلّ “صديق للبيئة” وفعّال لتنظيف البحار من التسرّب النفطي. وقد بدأ بعض الكيميائيّين بالبحث عن وسائل جديدة، واعتمدوا في دراساتهم على المصادر المتجدّدة مثل الفواكه وزيت الطعام. وذلك من خلال تفاعل السكر الموجود في الفواكه مع الأحماض الدهنيّة الموجودة في الزيت. فينتج عن هذا التفاعل مواد تسمى ايستر “ester”. وتكون هذه الأخيرة الحجر الأساس لبناء مادة هلاميّة “gel” تُنظّف بها البحار. وأشار الباحثون العاملون على الموضوع أنّ المنتَج النهائي “صديق للبيئة” وذلك بسبب:
– سهولة الحصول عليه من خلال تفاعل غير مستهلك لطاقة مرتفعة.
– إمكان استعادة هذه المادة وإعادة استعمالها.
للتعرّف على طريقة عمل هذه المواد، نقول:
في المرحلة الأولى، تُجمع مادة الإيستر مع بعضها حتى تصبح مادة هلاميّة على شكل سلاسل طويلة. وتعمل هذه الأخيرة كالإسفنج، إذ تمتصّ السوائل التي لا تمتزج بالماء كالنفط والزيوت فتُحبس بداخل هذه الموادّ الهلاميّة. أما في المرحلة الثالثة والأخيرة، فيمكن استعادة المادّة الهلاميّة من خلال فصلها في المختبر عن النفط أو الزيت لإعادة استعمالها لاحقًا. ويتمّ الفصل بطريقة التقطير التي سيتمّ تفصيلها في المقطع الأخير من هذا المقال.
وجهة نظر… علميّة
“أحلم بماء زهريّ اللون”
قد تتعجّبون عندما أذكر لكم ماء زهريّ اللون وتظنّون أنّي أحلم. ولكن ما ستقرؤونه الآن ليس شيئًا رأيته في المنام، بل حقيقة! إنّها بحيرة ريتبا المعروفة بالبحيرة الورديّة في شمال شرق دكّار عاصمة السنغال. تمتدّ هذه البحيرة على مساحة 3 كيلومترات مربّعة وتتميّز بلونها الورديّ المتموّج تحت أشعّة الشمس. ويعود اللون الورديّ إلى نوعٍ من الزراقم “cyanobacteria” أو البكتيريا الزرقاء وهي شعبة من البكتيريا التي تعيش في الماء. تحتوي الزراقم على ثلاثة أجسام ملوّنة هي الأخضر والأزرق والأحمر. الجسم الأخضر “chlorophyll” يساعد في عمليّة البناء الضوئي “photosynthesis”، والجسم الأزرق هو الذي يعطيها لونها الأزرق، واللون الأحمر ناتج عن البيتا كاروتين “beta carotene”، أمّا نوع الزراقم في بحيرة ريتبا فهو “Dunaliella Salina”. فهذه الأخيرة تحتوي على نسبة عالية من البيتا كاروتين ممّا يساعدها على تحمّل المياه المالحة للبحيرة، إذ إنّ نسبة الملح في هذه البحيرة أعلى بكثير من غيرها. وكنوع من الدفاع عن النفس للبقاء في البحيرة، تفرز هذه البكتيريا البيتا كاروتين في الماء ممّا يعطي البحيرة لونها الورديّ.
جرّبها بنفسك!
“خبير في صناعة العطور”
أصبح الآن بإمكانك أن تتحوّل إلى خبير عطور… في المنزل! تعود رائحة العطور إلى مجموعة من المواد السريعة التطاير “volatile” التي يُطلق عليها اسم الزيوت العطريّة “essential oils”. وتستخرج هذه الأخيرة من العديد من النباتات والأزهار والبذور والأخشاب من خلال عمليّة استخراج يقال لها “التقطير” “distillation”. وتكون هذه الزيوت عديمة اللون أو قريبة إلى الأصفر إذا كانت خالية من الشوائب، ويتحوّل اللون إلى الأصفر الداكن كلّما ازدادت مدّة التخزين. أمّا التقطير، فهي من الوسائل الأقدم لاستخراج المواد وقد كان بعض علماء العرب والمسلمين من أوائل من عمل بها وطوّرها مثل جابر بن حيان ومحمّد بن زكريا الرازي. ويُعتمد في التقطير على مرحلتين أساسيّتين هما:
– تحويل السائل إلى بخار بالتسخين وفصل العطر عن المواد الأخرى.
– تكثيف “condensation” البخار بالتبريد وتحويله من جديد إلى عطر سائل.
لاستخراج الزيوت العطريّة في المنزل تحتاجون إلى:
– ماء نقيّ.
– أوراق الأزهار أو النعنع أو خشب العود أو غيرها.
– كوب صغير.
– إناء كبير.
– غطاء معدنيّ أو زجاجيّ على شكل مثلّث.
والآن ضعوا أوراق الأزهار “أو غيرها” في الإناء الكبير واغمروها بالماء النقيّ، ثمّ ثبّتوا الكوب الصغير الفارغ في وسط الإناء الكبير. غطّوا الإناء الكبير بالغطاء المثلث. وابدؤوا بتسخين الإناء.
عندما ترتفع الحرارة وتحديدًا عندما تصل إلى 100 درجة مئويّة، يبدأ الماء بالغليان مترافقًا مع تصاعد البخار الناتج عن تحوّل الماء السائل إلى غاز. فيعمل البخار على تكسير الخلايا النباتيّة وتحرير الزيوت العطريّة التي لا تلبث أن تتبخّر لأنها كما ذكرنا سابقًا تتطاير بسرعة، فتصعد إلى الأعلى. وعندما يصطدم البخار بجوانب الغطاء الباردة، يعود إلى حالة السائل، فتظهر نقاط من الزيت على جوانب الغطاء. ومع تزايد هذه النقاط السائلة، تتساقط في الكوب المثبّت في وسط الإناء. عندما يبدأ الزيت بالتساقط في الكوب، قوموا بتخفيف النار قليلًا ثم إطفائها وانتظروا حتى تنتهي هذه العمليّة. وستلاحظون أنّ كمية كبيرة من الأوراق تُنتجُ كميّة أقلّ بكثير من الزيت العطري. ولكن كمية قليلة جدًا من الزيت كافية للتعطير. تابعوني في العدد القادم لتتعرّفوا على بعض الاستعمالات التي يمكنكم تنفيذها باستخدامكم الزيت الذي حصلتم عليه بالتقطير. █