من يزور أطباء القلب والضغط والسكري ونحوهم قد يظن أن نصف منهج الطب يختصر بكلمتين اترك الغضب أو بالعامية “ابتعد عن التعصيب”، فهذه العبارة تتردد على مسامعنا عند كل أزمة وبعد كل صدمة. 

لماذا هذا الإصرار على الابتعاد عن الغضب؟ ببساطة لأن من يراقب نفسه عند الغضب أو ينصت لمن رآه وهو في حالة الغضب يعلم أن الغضب مدخل للاضطراب وعدم الاتزان، ومن يغضب غالبًا يفعل ما يجر إليه الندامة، فالغضب مفتاح الشرور وتركه مفتاح للخير، فلقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلًا جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله أوصني فقال: “لا تغضب رواه البخاري، فكرّر الرجل سؤاله مرارًا والرسول يقول له: “لا تغضب“، وفي تكرار الرسول صلى الله عليه وسلم لجوابه “لا تغضب” تعليم لنا وتأكيد على أهمية ترك الغضب. فترك الغضب هو الخطوة الأولى نحو مسار يحبه الله والرسول، فعن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: “إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم، والأناة“، والحليم هو من تسبق رحمته غضبه، والأناة هي التثبت وعدم الاستعجال والتصرف بحكمة.

فيا أيها العاقل تفكّر فيما أنت فاعل، انظر إن كان الغضب يعميك ويدفعك للبطش بلسانك وجوارحك بمن حولك وارتكاب ما لا يرضي الله، هل سيبقى أحد حولك؟؟ إيّاك أن يخدعك الشيطان فتخدع نفسك وتحاول أن تسوق أعذارًا مزعومة لتسوّغ ما ترتكب عند الغضب، فتقول: أنا غضبت لأن فلانًا أخطأ، فهل وقوعك بالخطأ تسوّغ بخطأ شخص آخر؟ قطعًا لا، ثم قف لحظة وفكّر كيف تحب أن يلقاك الناس فيما لو أنك أخطأت؟ أبالشدة والبطش والغضب؟ أم بالرفق واللين؟ لا شك أنك ستحب أن يعاملوك بالرفق واللين، فعامل إخوانك مثلما تحب أن يعاملوك واترك الغضب المذموم وتمسّك بالرفق الذي مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: “إن الرفق لا يكون في شىء إلا زانه، ولا  ينزع من شىء إلا شانه” رواه مسلم.

فالرفق واللين من مفاتيح القلوب، ومن أراد الخير لنفسه ولإخوانه التمس طريق الوصول إلى قلوبهم، فبحسب العادة من يصل إلى القلوب يصل إلى الآذان وتعي مقالته العقول، ومن أراد الإصلاح هل يذهب لنصح أهل الصلاح؟!! أو ينزل إلى العوام؟ وإلى حيث ينتشر الحرام؟ وهنا التحدي، فأنت وبالرغم من أنك تحمل لهم الخير وتحب لهم الخير، وقد حركتك الشفقة عليهم وتدعوهم لترك الحرام وما يُعرّضهم لغضب الله وعذابه، قد تجد الكثير منهم من المعرضين فقد قال الله تعالى لرسوله الكريم لمن جاء هدى ورحمة للعالمين:
﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ سورة آل عمران/159.

فالزم الرفق واللين وإن عانيت منهم الكثير، واحرص أخي أن تصون نفسك وإخوانك من شرور أهل الفتن، ولا تدع سوء أسلوبك يبعدهم عن درب النجاة، فإن من أراد الإضرار دس السم في الدسم، فمن أراد نشر الباطل فاستعمل الرفق واللين قد يضل الكثير من الغافلين، فمن يحمل الخير أولى له أن يتجمّل بخصال الخير ليبعد الناس عن دعاة جهنم.█