الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب السموات والأرضين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجّلين، صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسليمًا دائمًا إلى يوم الدين. 

وفي كتاب بستان الواعظين ورياض السامعين لابن الجوزي عن أحد الصالحين أنه قال: رأيت بمكة رجلًا كان كافرًا ثم أسلم، وكان يطوف بالكعبة، فقلتُ له: ما سبب إسلامك؟ وكيف كان ذلك؟

قال: ركبنا البحر، فلما توسطنا فيه، انكسرت السفينة، فسَلِمْتُ على لوح، فما زالت الأمواج تدافعني حتى رَمَتني في جزيرة من جزائر اليَمّ، فيها أشجار كثيرة ولها أثمار أحلى من الشَّهْد وأليَن من الزُّبد، وفيها نهر جارٍ عذب. قال: فقلتُ الحمد لله على ذلك، آكلُ من هذا الثمر وأشرب من هذا النهر حتى يأتي الله بالفرج.

فلما ذهب النهار وجاء الليل، خفت على نفسي من الدوابّ، فَعَلوتُ شجرة ونمتُ على غصن، فلما كان وسط الليل إذا بدابّة على وجه الماء تسبّح الله تعالى بلسان فصيح: لا إله إلا الله الغفّار، محمّد رسول الله النبي المختار، فلما وصلت الدابّة إلى البر فإذا رأسها ووجهها وجه إنسان وذنبها ذنب سمكة! فخفتُ على نفسي الهَلَكَة فنزلتُ عن الشجرة وولّيتُ هاربًا.

فالتفتتْ إليّ وقالتْ: قف وإلا هَلَكتَ. فوقفتُ، فقالت لي: ويحك يا خاسر، ادخل في دين الإسلام، فإنك قد حللتَ بفِناء قوم من مؤمني الجنّ، لا ينجو منهم إلا مسلم. فقلتُ: وكيف الإسلام؟ فقالت: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فقلتُها.

ثم قالت الدابة: أتريد المقام هنا أم الرجوع إلى أهلك؟ فقلتُ: الرجوع إلى أهلي. قالت: امكث مكانك حتى يجتاز بك مركب. فمكثتُ مكاني ونزلت الدابّة في البحر، فما إن غابت عن عيني حتى مرّ مركب وركاب، فأشرتُ إليهم فانتبهوا إليّ فحملوني، فإذا في المركب اثنا عشر رجلًا كانوا كلّهم كفارًا، فأخبرتهم خبري وقصصتُ عليهم قصّتي فأسلمُوا كلّهم، والحمدُ لله على نعمة الإسلام، وكفى بها من نعمة.█