الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على محمد النبي الأمّي الأمين، وعلى آله وصحبه الميامين، وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فإنّ نبيَّنا صلى الله عليه وسلم شرع لنا صدقةَ الفِطر، وهي فريضةٌ فرضَها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عموم المسلمين، ذكورِهم وإناثهم، صغارهم وكبارهم بشروط مخصوصة، فإن الزكاة طهارة للمال وطهارة للنفس؛ طهارة لنفس التقي من الشح والبخل، وفرحة للفقير وجبرٌ لنفسه وتوسعة عليه، يقول الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ سورة التوبة/103.
فيؤدِّيها المسلم عن نفسِه، وعمّن يلزمه الإنفاقُ عليه كزوجة وأولاد، وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجب إخراجه فقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفطر صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعير” رواه البخاري، والصاع ملء أربع حفنات من اليد، فيخرج عن كل ولد صغير وزوجة هذا القدر، ومن تطوّع بالزيادة كان خيرًا له.
تجب بإدراك جزء من رمضان وجزء من شوال، وذلك بإدراك غروب شمس آخر يوم من رمضان وهو بصفة الوجوب، فلا تجب فيما حدث بعد الغروب من ولد أو غنى، والمراد بالغنى في هذا الموضع أن يكون للشخص مال يخرجه زكاة فاضلًا عن دَيْنه ومسكنه وكسوته وقوته وقوت مَن عليه نفقته يوم العيد وليلته، فمَن كان عاجزًا عن زكاة الفطرة في رمضان ثم غني في يوم العيد فلا تجب عليه زكاة الفطر، وكذلك مَن ولِد له مولود يوم العيد لا يجب أن يُزكي عنه، أما لو وُلِد في اليوم الأخير من رمضان واستمر حيًّا حتى غربت الشمس فيُزكّى عنه.
ووقت زكاة الفطر يبدأ من أول رمضان لكن السُّنَّة تأخيرها لما قبل صلاة العيد، ويجوز إخراجُها قبل العيد بيوم أو يومين، لكن لا يجوز تأخيرها إلى ما بعد غروب شمس يوم العيد إلا لعذر، وتُعطى لفقير أو لمن يستحق الزكاة. وقد بيّن الله سبحانه وتعالى مصارف الزكاة في كتابه الكريم فقال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)﴾ سورة التوبة، فلا يجوز ولا يجزئ صرف الزكاة لغير هذه الأصناف الثمانية التي بيّنها الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، وأما غير هؤلاء فلا يجوز أن يُعطَوا باسم الزكاة قلّ ذلك أم كثر، سواء كانوا أفرادًا متفرقين أم منتظمين في رابطة أم جمعية، وسواء كانوا علماء أم طلبة علم أم عامة، وسواء أرادوا استخدامها راتبًا لموظف أم أجرة لنسخ كتاب أم لبناء مسجد أو مصلّى أو مدرسة أو غير ذلك، كما أنه لا يجوز للأغنياء ولا للأقوياء المكتسبين أن يأخذوا من سهم الفقير أو المسكين، فإن أخذوا منها من هذا الباب فإنما يأخذون حرامًا.
هذا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به الصحابة والتابعون وأتباع التابعين ومن جاء بعدهم من سلاسل علماء الدين الذهبية، وهو ما أفتوا به. فإنَّ أحكام شرع الله هي ما فهمه الصحابة والتابعون وتابعوهم من كتاب الله وسُنَّة رسوله على موجب اللسان العربي المبين.
أما المتأخرون من كبار الفقهاء فلهم الاجتهاد في نوازل جديدة لا أن يُبدوا آراء في الدين على خلاف ما فهمه من النصوص رجالُ الصدر الأول الذين هم أهل اللسان الـمُطَّلِعُونَ على لغة التخاطب بين الصحابة قبل أن يعتريها تغيير وتحوير، وهم المُتَلقّون للعلم عن الذين شهدوا الوحي، فما فهموه من الشرع فهو المفهوم وما أبعدوه عن أن يكون دليلًا فهو بعيد عن أن يُتَمَسَّكَ به. وإنما يكون كلام الفقهاء المتأخرين فيما لم يتكلم فيه أهل هذا الصدر أو اختلفوا في حكمه.
فمن دفع زكاة ماله لطباعة الكتب أو عقد الندوات أو بناء المساجد أو المستشفيات أو افتتاح مراكز جمعيات وروابط أو نحو ذلك كما أجازه البعض فلا يصح منه ذلك ولا يجزئ عنه زكاةً.
كما نُحب أن نُنبّهكم إخوتنا أنه لا يصح إخراج الفطرة عن الولد البالغ إلا بإذنه، فليُتنبّه لذلك فإن كثيرًا من الناس يغفلون هذا الحكم فيُخرجون عن الولد البالغ بدون إذنه.
وبعد هذا فإن ما ذكرناه ما هو إلا مختصر من الكلام عن أحكام الزكاة مما لا بد من معرفته والتنبّه له ممن وجبت عليه الزكاة، فما أصعبها أن يدفع المؤمن ماله ظانًا أنه يتقرب إلى الله بفعل الواجب والمفروض وهو يقع في الحرام لجهله بأمور وأحكام دينه فيُفوّت على نفسه الفريضة وخيرها… نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يفقّهنا في ديننا ويُعلمنا ما جهلنا.
ملاحظة: الأحكام المذكورة هنا هي في مذهب الإمام الشافعي.
والحمد لله رب العالمين. █