هو صلة بن أشيم من بني عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس ابن مضر، الزاهد العابد القدوة، أبو الصهباء العدوي البصري، زوج العالمة معاذة العدوية.
كان صلة بن أشيم كثير العبادة حتى إنه كان يخرج إلى الجبانة فيتعبّد فيها، فكان يمر على شبابٍ يلهون ويلعبون فيقول لهم: “أخبروني عن قومٍ أرادوا سفرًا فحادوا النهار عن الطريق، وناموا بالليل متى يقطعون سفرهم؟” فكان يمر بهم ويعظهم، فمر بهم ذات يومٍ فقال لهم هذه المقالة فانتبه شاب منهم فقال: يا قوم إنه لا يعني بهذا غيرنا نحن بالنهار نلهو وبالليل ننام، ثم اتبع صلة فلم يزل يرافقه إلى الجبانة فيتعبد معه حتى مات.
وقد رُوي عن زوجته معاذة العدوية: ما كان صلة يجيء من مسجد بيته إلى فراشه إلا حبوًا يقوم حتى يفتر في الصلاة.
وكان لصلة مواقف في المجتمع الإسلامي مؤثرة، ومن هذه المواقف ما رُوي عن ثابت أنه قال: جاء رجل إلى صلة بنعي أخيه، فقال له: اُدنُ فكُل، فقد نُعي إليّ أخي منذ حين، قال تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30)﴾ سورة الزمر.
من كراماته
وكان لصلة كرامات منها ما رواه حماد ابن جعفر بن زياد أن أباه أخبره أنه خرج في جيش للغزو إلى كابل، وكان معه في هذا الجيش صلة بن أشيم، فنزلوا في بعض الوقت ليستريحوا فقال جعفر: لأراقبن عمله -أي عمل صلة بن أشيم- فصلى صلة ثم اضطجع، فلما نام الناس وثب من مضجعه ودخل غابة كثيرة الشجر فدخلتُ وراءه فإذا هو يتوضأ، ولما أحرم بالصلاة جاء أسد حتى دنا منه، فصعدتُ شجرة وما زلت أراقبه من بعيد فلما سجد قلت في نفسي الآن يفترسه، فجلس ثم سلّم وقال: يا سبع اطلب الرزق بمكان آخر، فولّى الأسد وإن له زئيرًا تصدع منه الجبال، فلما كان الصبح جلس يدعو الله ويحمده، ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار.
قال جعفر: فلما دنونا من أرض العدو قال أمير الجيش: لا أحدٌ يغادر المعسكر. ثم بعد ذلك أمر الأمير بالسير لمقاتلة العدو وقد ضاعت بغلة صلة وعليها متاعه، فأخذ صلة يصلي ويدعو الله أن يرد عليه بغلته والناس يستعجلونه ليلحق بالجيش الذي سار وهو مستمر بالدعاء إلى الله تعالى وما هي إلا فترة قليلة حتى ظهرت بغلته.
قال جعفر: فلما لقينا العدو حمل هو وهشام بن عامرٍ فشقا بهم طعنًا وضربًا وقتلًا. قال: فكسر ذلك العدو وقالوا: إن رجلين من العرب صنعا بنا هذا فكيف لو قاتلونا كلهم! فأعطوا المسلمين حاجتهم.
روى أبو نعيم في الحلية عن عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر أنه قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يكون في أمتي رجلٌ يقال له صلة يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا“.
استشهاده
رضي الله عنه
وعن العلاء بن هلال، أن رجلًا قال لصلة: يا أبا الصهباء رأيتُ أني أُعطِيتُ شهادة، وأُعْطِيتَ شهادتين فقال: تستشهد وأستشهد أنا وابني، فلما كان يوم يزيد بن زياد، لقيتهم الترك بسجستان، فانهزموا. وقال صلة: يا بني ارجع إلى أمك. قال: يا أبت، تريد الخير لنفسك، وتأمرني بالرجوع! قال: فتقدم، فتقدم، فقاتل حتى أصيب، فرمى صلة عن جسده، أي دافع عن ولده وكان راميًا، حتى تفرقوا عنه، وأقبل حتى قام عليه، فدعا له، ثم قاتل حتى قتل، وكانت الملحمة التي استشهد فيها سنة 62هـ.
زوجته مُعَاذة العدوية
وأما زوجته معاذة العدوية فكانت من العابدات تحيي الليل، وكانت تقول: عجبت لعين تنام وقد عَرَفَتْ طول الرقاد في ظُلَم القبور.
ولما قتل زوجها صلة بن أشيم وابنها في بعض الغزوات اجتمع النساء عندها، فقالت: إن كنتن جئتن لتهنئتي فمرحبًا بكن، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن. ولم تتوسد فراشًا بعد ذلك، وكانت تقول: والله ما أحب البقاء إلا لأتقرب إلى ربي عز وجل بالوسائل لعله يجمع بيني وبين أبي الصهباء وولده في الجنة.
فلما احتضرت بكت ثم ضحكت، فسئلت عن ذلك، فقالت: أما البكاء فإني ذكرت مفارقة الصيام والصلاة والذكر، وأما الضحك، فإني نظرت إلى أبي الصهباء وقد أقبل في صحن الدار وعليه حلتان خضراوان وهو في نفر ما رأيت لهم في الدنيا شبهًا فضحكت إليه، ولا أراني أدرك بعد ذلك فرضًا، فماتت قبل دخول وقت الصلاة.█