هو نوح بن لامَك بن مَتُّوشَلَخ بن أخنوخ -وهو إدريس- بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم وهو أبو البشر. 

وقد أرسل الله سيدنا نوحًا إلى قوم يعبدون الأوثان، قال الله تعالى إخبارًا عنهم: ﴿وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) سورة نوح. 

أول ما حصل الشرك في الأرض بعد نبي الله إدريس

كان الناس في زمن آدم وشيث وإدريس على الإسلام ثم بعد موت نبي الله إدريس بمدة انقطع الإسلام بين الناس، وقصة ذلك كما حكاها المفسرون أن خمسة من الصالحين كان يحبهم الناس كثيرًا لصلاحهم وتقواهم وهم: ودٌّ وسواعٌ ويغوث ويعوق ونسرٌ، فلما ماتوا حزن الناس عليهم كثيرًا فجاءهم إبليس اللعين متشكلًا ووسوس لهم أن يصنعوا لهم تماثيل تذكّرهم بهم، ففعلوا. وبعد مضي جيل بعد جيل جاء أناس لا يعرفون قصة هذه التماثيل وحقيقتها فجاءهم إبليس مرة ثانية فقال لهم: هذه آلهة آبائكم كانوا يعبدونها فاعبدوها فعبدوها فكفروا بالله والعياذ بالله.

دعوة نوح لقومه إلى الإسلام

وبعد أن حصل الشرك بين الناس وانقطع الإسلام في ما بينهم بعث الله نبيه نوحًا عليه السلام إليهم يدعوهم للإيمان وترك الإشراك بالله ويُبيّن لهم أن هذه الأصنام لا تخلق ضُرًا ولا نفعًا، قال الله تعالى في سورة الأعراف إخبارًا عن ذلك: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59).

ودعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار والسر والإجهار بالترغيب مرة وبالترهيب تارة أخرى فلم يؤمن من قومه إلا القليل. واستمر أكثرهم على الضلالة والطغيان وعبادة الأوثان. ونصبوا له العداوة ولمن آمن به وآذَوا سيدنا نوحًا أذى شديدًا فكانوا يضربونه حتى يُغشى عليه، ويرمونه بأقسى الكلمات، وهو يصبر عليهم ويقول عسى أن يؤمنوا.

بناء السفينة

لم ييأس نوح من إبلاغ الرسالة إلى قومه وبسط البراهين لهم واستمر سيدنا نوح على هذه الحال زمانًا طويلًا فإنه دعا قومه ألف سنة إلا خمسين فأوحى الله له أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، وأنه سيُرسل عليهم عذابًا ألا وهو الطوفان وأمرَه أن يبني السفينة ليركب فيها مع الذين آمنوا فإنها ستحميهم بإذن الله من الطوفان. فأقبل نوح على عمل السفينة وجعل يهيئ عتاد الفلك من الخشب والحديد والقار وغيرها، وجعل قومه يمرون به وهو في عمله فيسخرون منه وكانوا لا يعرفون الفلك قبل ذلك، ويقولون: يا نوح قد صرت نجارًا بعد النبوة! وأعقم الله أرحام النساء فلا يولد لهن. وصنع الفلك من خشب الساج وقيل غير ذلك، ويقال إن الله أمره أن يجعل طوله ثمانين ذراعًا وعرضه خمسين ذراعًا، وطوله في السماء ثلاثين ذراعًا. وقيل: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع، وقيل غير ذلك والله أعلم.

ولما أنهى بناءها أوحى الله له أن اركب السفينة ومن معك من المؤمنين.

وكانت السفينة مؤلفة من ثلاث طبقات: سفلى ووسطى وعليا، فالطبقة السفلى كانت للدوابّ والوحوش، والطبقة الوسطى للناس، والطبقة العليا للطيور.

فوران التنور ونزول العذاب بالكفار

ولما فار التنور واقترب الوعد الحق وجاء أمر الله وفتح الله أبواب السماء بماء منهمر وفجّر الأرض عيونًا كما قال تعالى: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) سورة القمر، صعد نوح والمؤمنون إلى السفينة وكان معه ثلاثة من بنيه سام وحام ويافث وأزواجهم وتخلّف عنه ابن له يدعى كنعان وكان كافرًا بالله. وأدخلوا معهم في السفينة من البهائم زوجين اثنين: ذكرًا وأنثى. وارتفعت السفينة فوق الماء وعلا الموج وغطّى الأرض وغرقت امرأة نوح، وكانت كافرة لم تركب مع المؤمنين في السفينة ظنت أن بيتها يمنعها من الماء ويحميها ولكن لا عاصم اليوم من أمر الله. ورأى نوح ابنه -كنعان- في جهة السفينة وبمقربة منها حيث يسمع النداء. فطمع في إيمان ابنه، فقال له: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42)سورة هود.

فلما ردّ ابنه عليه بقوله: ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءقال له نوح عليه السلام: ﴿لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فهلك مع الباقين.

وطافت السفينة بالأرض كلها لا تستقر حتى أتت الحرم فدارت حوله أسبوعًا ثم ذهبت في الأرض تسير بهم حتى انتهت إلى جبل الجودي وهو بأرض الموصل فاستقرت عليه.

ولما لم يبق من الكفار أحد على وجه الأرض أمر الله السماء أن تقلع عن المطر وأمر الأرض أن تبلع ماءها فقال تعالى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) سورة هود، وهكذا نجّى الله سيدنا نوحًا ومن معه من المؤمنين.

نجاة سيدنا نوح والمؤمنين وخروجهم من السفينة

وكان خروجهم من السفينة يوم العاشر من المحرم فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة قال: مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود وقد صاموا يوم عاشوراء فقال: “ما هذا من الصوم؟” فقالوا: هذا اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من الغرق وغرق فيه فرعون وهذا اليومُ استقرت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح وموسى شكرًا لله عز وجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أنا أحقُّ بموسى وأحقُّ بصوم هذا اليوم“.

ثم إن نسل أهل السفينة انقرض غير نسل بني نوح الثلاثة: سام وحام ويافث. فالناس كلهم من ولد نوح قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ (77)سورة الصافات.

عُمُر سيدنا نوح عليه السلام

قيل: بُعث سيدنا نوح وله أربعمائة وثمانون سنة وإنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة فيكون قد عاش على هذا ألف سنة وسبعمائة وثمانين سنة حيث ورد في القرءان أنه دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا والله أعلم.

ويُروى أنه لما حضرته الوفاة قيل له: كيف رأيت الدنيا؟ قال: “كبيتٍ له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر”.

وصية نوح عليه السلام لولده

روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن نبيَّ الله نوحًا لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاصٌّ عليكَ الوصيةَ، آمرُكَ باثنتين وأنهاكَ عن اثنين، وآمرك بلا إله إلا الله فإن السموات والأرضين السبع لو وُضعت في كفة ووُضعت لا إله إلا الله في كفة رَجَحتْ بهن لا إله إلا الله، ولو أنَّ السموات السبع  والأرضين السبع كُنَّ حلقةً مُبهمة قصمتهن لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده فإنها صلاةُ كلّ شىء وبها يُرزقُ الخلقُ، وأنهاكَ عن الشّرك والكِبر”.

ما قيل عن مكان قبره عليه السلام

وأما قبره عليه السلام فقيل: إنه بالمسجد الحرام وهو الأقوى، وقيل ببلدة في البقاع تعرف اليوم “بكرك نوح” وهناك جامع قد بُني بسبب ذلك فيما ذكر، وقيل: إنه بالموصل.

والله تعالى أعلم وأحكم. █