“لا زالت الأفراح في دياركم عامرة”. جميلة هي مناسبات الخطبة والزواج، مليئة بالفرح والسرور، فرحة لا ينساها العريس وبالتأكيد لن تنساها العروس، صحيح أنها تكون غالبًا ممزوجة بغصة الأهل الذين سيبتعدون عن أولادهم إلا أن كل الذين يحضرون هذه المناسبات يشعرون بالسرور لهذين الشخصين اللذين عفّا نفسيهما عن الحرام واختار كل منهما الآخر ليكمل معه مسيرة الحياة. لكن هل هذه هي الحال دائمًا؟ هل حقًا يريد كلا العروسين إكمال مسيرة الحياة؟ هل تكون حقًا الفرحة بالزواج أم هناك مصالح خفية؟
سامية فتاة فلسطينية لا تعرف فلسطين إلا من خلال الصور والتلفاز، هاجر أبوها وأمها إلى أحد البلدان الأوروبية منذ أكثر من عشرين عامًا هربًا من ظروف الحياة القاسية. ىسامية عمرها اثنتان وعشرون سنة وأم لطفلة عمرها سنة. سامية مطلقة منذ أن كان عمر ابنتها شهرًا واحدًا. سامية لا تعرف أين الشخص الذي كان زوجها والذي عاشت معه قصة حب شبيهة بروايات الأفلام في فترة الخطوبة التي دامت سنتين. سامية لم تمنح حبها الأول فقط لذلك الرجل إنما أيضًا منحته الجنسية، وأخيرًا، سامية حالة من مئات الحالات التي قد نصادفها يوميًا في تلك البلاد الباردة البعيدة.
لماذا تزوجتم؟
يـخـتـلـف المـتـخـصـصـون الاجـتـماعـيون والنفسيون في تحديد الأسباب الحقيقية وراء هذا الزواج خاصة أنه غير مرتبط بفترة زمنية محددة، فالزواج من أجل الهجرة أو من أجل الجنسية الغربية ليس خاصًّا بأيامنا الحالية مع العلم أنه أصبح أكثر انتشارًا في أواخر القرن العشرين إلى أيامنا هذه، لكن ما يجمع عليه العلماء الاجتماعيون أن الوضع الاجتماعي المستمر في التراجع وارتفاع نسب البطالة والفقر في المجتمعات العربية من أكبر الدوافع التي تقود الشاب أو الشابة العربيين في اللجوء إلى زواج الهجرة أو ما يسمى بزواج الجنسية.
فضغوط الحياة اليومية والسعي الحثيث لتأمين مقومات الحياة اليومية من مسكن وملبس ومأكل أصبحت الشغل الشاغل لشريحة كبيرة من الشباب والشابات حتى في هذا الزمان، ولأن معظم الشباب العربي لديه ما يسمى بـ “Stereotype” عن المجتمعات الغربية وبأن الحياة هناك هي حياة رغيدة تؤمّن فيها الحكومات جميع حاجات المواطنين الحياتية من مأكل وملبس وطبابة وتأمين وما يسمى بضمان الشيخوخة، تسعى هذه الشريحة من الشباب إلى السفر والهجرة إلى تلك البلاد لأخذ الجنسية هناك بأسرع الطرق وهي في هذه الحالة الزواج بمواطنة غربية.
منافع متبادلة أم ماذا؟
في كثير من الحالات التي نسمع بها عن حالات الزواج من أجل الهجرة تكون المنفعة فيها من جهة واحدة وغالبًا ما تكون من جهة الشاب، فالفتاة في غالب الأوقات لا تبحث عن جنسية غربية لأنه في مجتمعاتنا تأسيس البيت وتأمين المنزل وغير ذلك يلقى في الغالب على عاتق العريس، وبما أن أغلب الشباب غير قادرين على تأمين هذه المصاريف الكبيرة التي تفوق في غالب الأحيان رواتبهم الشهرية يلجؤون بظنهم إلى الحل الأسهل والسريع وهو الزواج للهجرة والجنسية.
وينقسم هذا النوع من المنافع إلى قسمين: منفعة بعلم الطرفين ومنفعة بعلم طرف واحد. ففي بعض الحالات تكون العروس في دول الاغتراب تعلم أن الرجل تزوجها لغرض وهي الحصول على الجنسية ومع ذلك توافق على الزواج به علّها تقنعه بالبقاء معها بعد حصوله على الجنسية. أما النوع الآخر وهو الذي غالبًا ما ينتهي بالطلاق أو الهجر فتكون المنفعة فيه مرجوة من الشاب من غير علم المرأة، فيهاجر بعض الشباب إلى دول الاغتراب ويضع نصب عينيه هدفًا واحدًا وهو البحث عن فتاة عربية حاملة لجنسية البلد المهاجر إليه، فيقنعها بالزواج به، وهي بالطبع تكون قد انبهرت به وبحبه الذي يظهره لها، وبما أن نسبة الشباب العربي قليلة في تلك البلاد، تقبل به كزوج لها، وهي غير عالمة بالذي ينتظرها، فبعد سنة أو سنتين أو أكثر بحسب قوانين البلد، يحصل الشاب على مراده ويُعطى جواز السفر الخاص بمواطني تلك البلاد، وبعدها إما الهجر وإما الطلاق هو ما تنتظره الفتاة المسكينة.
سامية وأخواتها
وبالعودة إلى قصة سامية التي أوردناها في بداية المقال تروي سامية تفاصيل ما حصل معها وما آلت إليه الأمور خلال السنتين الماضيتين فتقول: بدأت الحكاية في أحد المراكز التجارية في المدينة التي أعيش فيها، حين رأيت شابًا يتأملني ويتبعني من محل تجاري إلى آخر، علمتُ فورًا أنه عربي وليس من أهل البلد، وحين خرجت من المركز التجاري وجدته واقفًا على باب المركز وحين رآني تقدم نحوي وأخبرني أن غرضه شريف وأنه أعجب بي، وأخبرني أنه قدم حديثًا إلى هذه البلاد، وطلب رقم هاتفي الجوال ليتسنى له الكلام معي لنتعرّف على بعضنا أكثر. بطبيعة الحال رفضت طلبه وأكملت سيري نحو محطة المترو، إلا أنه تبعني واستقل نفس عربة المترو وقال لي: إنه يريد أن يعرف أين أسكن كي يأتي إلى بيتنا ويتحدث إلى أهلي، عندها صدمت من موقفه وأحسست في داخلي أنه صادق وأنه فعلًا يريد أن يدخل البيت من بابه. وافقت عندها أن أعطيه رقم هاتفي لنتحدث ليلًا ليتسنى لي التعرف عليه بشكل أفضل، وبالفعل تحدثنا ليلًا وبدأ يتكلم عن نفسه وعمّا عاناه في بلده وعن طموحاته وعن وعن، ومع مرور الأيام بدأ قلبي يخفق بطريقة غريبة كلما رأيته أو سمعت صوته وأحسست بنفسي أنقاد إليه، والذي دفعني أكثر إلى الانجراف في حبه هو إصراره المستمر على لقاء أهلي لتكون العلاقة “رسمية”. وبالفعل تقدم الشاب بطلب الزواج مني عند أهلي الذين رفضوا في بادئ الأمر لأنهم شعروا بريبة تجاهه خاصة أنه لم يكن يعمل ويعيش مع رفيقه في أحد المجمعات السكنية، وكان عندهم وجهة نظر في هذا الأمر ليتني أعرتها انتباهًا حينها. تزوجنا بعد كل هذا. وبعد زواج دام أقل من سنة، رزقنا خلالها بطفلة، وبعد حصوله على الجنسية، حاول افتعال الكثير من المشاكل، كادت تدفعني في كثير من الأحيان إلى الجنون، لأنني لم أعرف لها سببًا، ونتيجة لذلك حصل على مبتغاه بورقة الطلاق، والحصول على الجنسية.
سامية ليست الحالة الوحيدة التي تتعرض لمثل هذا الموقف، والله أعلم إن كانت الأخيرة، فأسلوب هذا النوع من الشبان يجعل بعض الفتيات يغرقن في كلامهم المعسول، وبمجرد انقضاء الحاجة يقولون: “مع السلامة”.
تقوى ربنا هي الأساس
زواج الجنسية أصبح حالة منتشرة بكثرة في مجتمعاتنا العربية وفي المجتمعات العربية في بلاد الاغتراب تطغى عليه المنفعة الشخصية، بدلًا من الحب والتواد واحتواء كل طرف للطرف الآخر، وغير ذلك من مقومات الزواج الناجح التي ظلت منذ زمن بعيد أساس العلاقة الزوجية. فهذا الزواج أصبح ينتشر يومًا بعد يومٍ، ويتأسس على تحقيق منفعة شخصية، حيث يستمر ارتباط الشخصين إلى أن تنقضي حاجاتهما حتى ولو بعد سنين.
وقد ورد الكثير من الأمور في شرعنا الحنيف الذي أوصى الرجال أن يستوصوا بالنساء خيرًا ومهّد لنا الشرع الطريق السليم لإنشاء رابطة الزوجية على أساس المودة والرحمة والسكينة، ثم إنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام أوصى بمداراة المرأة وتحمّل ما يقع منها والإغضاء عن بعض التقصير الذي قد يحصل من كثير من النساء فعلّمنا عليه الصلاة والسلام آداب العشرة الزوجية من ملاطفة ومزاح واستشارة في بعض الأمور والأحيان، وضربَ لنا مثلًا بنفسه حيث قال عليه الصلاة والسلام: “خَيرُكم خيرُكم لأهلهِ وأنا خَيرُكم لأهلي” رواه ابن حبان. فالزواج ليس مجرد ارتباط بامرأة ووِلاد أولاد وفي حالتنا هنا الحصول على جنسية، إنما الزواج مشروع حياة ينجح فيه من أحسن واتقى الله والتزم الشرع. █