أعزائي القراء، تشكو بعض صديقاتي من الأمهات من سوء سلوك أولادهن وعدم طاعتهم لهن والانصياع لأوامرهن. فينتقلن من أسلوب عقاب إلى آخر دون جدوى. 

لكنني ومن خلال مساعدتهن على اكتشاف الطرق التربوية في تعديل السلوك، بواسطة العقاب أو بدونه، أجد أن كثيرًا من الأمهات اللواتي يواجهن مشاكل في ضبط أولادهن، وللأسف، ينقصهن الدعم الكافي من الأب والمحيطين بالأسرة. فتكون الأم وحدها في هذه المعركة تواجه الانتقاد ممن حولها ولا يفكر الكثير في مد يد العون لها.

طرحنا في الجزء الأول موضوع التربية السليمة وبعض أسسها وشرحنا كيفية التعامل مع الأولاد في مواقف مختلفة. أما في هذا الجزء، فنتحدث عن العقاب وكيفيته ومتى نلجأ إليه.

تكاد تعجز كثير من النساء عن التعبير عن فرحتهن بأمومتهن وكذلك الرجل خصوصًا مع ابنه الأول. لكن الأمومة والأبوة تتبعها مسؤوليات كبيرة في التربية. وأكثر ما ينغص على بعض الأهل سوء سلوك أولادهم واضطرارهم إلى الحزم معهم وعقابهم. وأكثر ما يردّده بعض الأهل: عجزنا معه! من كثرة ما ضربنا ابننا ما عاد يؤثّر فيه الضرب ولا يردعه… أو ابنتي تتحداني، تنظر إلي وتلعب بشريط الكهرباء مع أنني وبّختها للتو وأمرتها أن لا تلمسه…  أو ابني يضرب الأولاد فهل أضربه؟…  

قبل التحدث عن العقاب، لا بد من الوقوف قليلًا عند الذي مرّ في المقال السابق عن التربية السليمة وحسن رعاية الطفل والتي تتلخص فيما يأتي:  

– الأهل ينبغي أن يكونوا قدوة صالحة لأولادهم فيما يقولون ويفعلون.

– أظهروا التعاطف ليتعلّم ولدكم هذا السلوك الحسن.

– علّموا أولادكم التعبير عن شعورهم.

– اختاروا الكلام الذي توبّخون به الأولاد ولا تلجؤوا للإهانة خصوصًا أمام الناس.

– اتفقوا أيها الوالدان على طريقة التربية التي توافق الشرع وذلك لكسب احترام الأولاد لرأي الأهل وعدم تشتيتهم.

– لا بد من مشاركة الأب الفعّالة في عملية التربية وعدم ترك الحمل كله على الأم.

– ضعوا حدودًا للدلال وذلك لعدم إفساد الأولاد.

– اعتنوا ثم اعتنوا بتعليم علم الدين للأولاد وأيضًا تعلّموا ما يجب عليكم معرفته من واجبات تجاه أولادكم.  

هذه النقاط قد تُغنينا عن الدخول في صراعات مع الأولاد وبالتالي تخفّف من التوتر داخل المنزل وتجعل الرفق واللين هو السلوك السائد في المنزل عوضًا عن الشجار والصراخ والمناكفات.  

حان وقت العقاب…

أما إن لم يكن بد من سلوك مسلك التأديب والعقاب والحزم، فهاكم بعض الأساليب التي قد تكون فعالة وناجحة.  

الحرمان مما يحب الولد

أولادنا يتعلّقون ببعض ألعابهم ويصعب عليهم الاستغناء عنها مثل الآيباد أو كرة القدم أو لعبة تركيب مميزة عندهم. وقد يتعوّدون على روتين محبّب لهم كالنوم عند بيت جدتهم كل يوم جمعة أو الذهاب إلى النادي أو تناول الغذاء في مطعم يوم العطلة. فإذا حُرموا من هذه الأشياء المفضلة، حاسبوا أنفسهم وأعادوا النظر فيما فعلوا ولعل إبعاد أشيائهم المفضلة عنهم يجعلهم يفكرون أكثر قبل الإقدام على تصرف قد يؤدي بهم إلى الحرمان.  

ونشير إلى أن هذا الأسلوب قد ينجح مع الأطفال الذين يفهمون معنى الحرمان، أي تقريبًا من عمر 3 سنوات أو أكبر.  

مواجهة النتيجة

كم مرة طلبتم من أولادكم إنهاء وظيفة مدرسية ولم يفعلوا؟ كم مرة انتهى بكم الأمر إلى السهر ليلًا مع ولدكم لإنهاء تلك الوظيفة؟ 

كم مرة طلبت من ابنتك مشاركة ألعابها مع بنت الجيران وأفهمتها أهمية المشاركة وتمنعت؟ 

اتركوهم يواجهون تبعات ما يفعلون. فابنك عندما يذهب إلى المدرسة بلا وظيفته سينال الجزاء من معلمه في الصف ولا شك أن هذا سيزعجه وسيجعله يتفادى أن يكون في الموقف عينه مجددًا.

وابنتك التي لا تشارك ابنة الجيران أو غيرها ستعاني الوحدة لأن الأطفال لن يصبروا عليها ولن يلعبوا معها إن كانت أنانية. فلعل تركها تواجه ردة فعل الأطفال نحوها وإهمالهم لها يجعلها أكثر انفتاحًا معهم لاحقًا.  

هذا الأسلوب فعّال لأنه يجعل الأولاد يتحمّلون مسؤولية ما يقومون به وبالتالي يتعلمون من خطئهم ويتفادون تكراره.

لكن من المهم أن ننتبه إلى عدم ترك الأولاد في خطر بحجة أنهم سيتعلّمون من خطئهم فلا نترك الأولاد مثلًا يقفزون على السرير ويتعرضون للسقوط والأذى ونحن نشاهدهم، ولا نتركهم يشربون الماء البارد ونقول لهم: ستمرضون وسيصيبكم السعال إن استمررتم هكذا. بل، نوقفهم بحزم ثم نشرح لهم خطورة ما يقومون به.

أفهموهم…

قد يعاقب الولد على اللعب ببراد الماء ثم يعيد الكرة مرة ثانية وثالثة. نعم، هذا حاصل بين كثير من الأولاد ولعل سبب ذلك أننا لم نُفهم الولد لماذا مُنع من هذا الأمر الذي يجده ممتعًا مسليًا.  

فنجلس مع الولد وننزل إلى مستوى نظره وننظر في عينه ونقول بهدوء ودون صراخ: هذا الماء ساخن، هل تريد أن يصيبك حرق؟ هل تريد أن تتألم؟ هل هذا البراد للعب؟ وننتظر من الولد أن يجيبنا على ما سألنا كي نتأكد من أنه فهم ما نقول واستوعب سبب منعنا له. ومع أهمية الشرح والتفاهم مع الولد لكن لا يشترط ذلك في كل أمر – أي لا يشترط تفسير وبيان سبب كل قرار نأخذه للولد-.

أما الأطفال الأصغر سنًا فنرتّب الخطاب بحسب فهمهم ولو عن طريق التمثيل ونقول لهم:  “لا” بحزم ونبرة حاسمة كي يفهم الولد جدية الموقف.  

انتبهي… بما أنني ذكرت مثالًا براد الماء، فهنا أشير إلى أننا ينبغي أن نبعد عن الأولاد كل ما يسبّب خطورة عليهم. فبراد الماء ينبغي أن نقفل أزراره بواسطة قطعة بلاستيكية كي لا ينزل الماء الساخن دون فك هذه القطعة. فلا نترك البيت كما كان قبل مجيء الأولاد بحجة أن الأولاد عليهم أن يتأقلموا وينتبهوا وأن يتفادوا الخطر فلا يكون البيت بالتالي آمنًا أصلًا.

افهموا منهم…

قد يضرب ولدكم صديقه في المدرسة، فيثير ذلك غضبكم فتتوجهون فورًا إلى عقابه ولكن قبل ذلك هل فهمت من ابنك لماذا قام بهذا العمل؟ فلعلك إن جلست لتفهم منه لماذا تصرف بهذه الطريقة مع صديقه لتوصلت إلى أن ما فعله ابنك كان دفاعًا عن النفس أو بسبب إهانة تلقاها من هذا الولد أو ما شابه. ولا يعني ذلك أن نبيّن الأسباب للولد إنما إن فهمنا الأسباب قد يجعلنا نراجع أسلوبنا في العقاب.

وهذه الجلسة تفتح أبوابًا مهمة في النقاش مع الولد وتعليمه الخطأ من الصواب وإفهامه بالأسلوب الهادئ الطريقة الفضلى للتصرف في مواقف مماثلة.

التجاهل… مع أو ضد؟

شخصيا، لا أميل إلى هذا الأسلوب مع أنه قد يكون فعالًا في بعض الحالات. فلا يمكنني سماع الولد يصرخ ويبكي وأكمل عملي وكأن كل شىء على ما يرام. أتجاهل لبعض الدقائق ولكنني في الوقت عينه أفكر في أمر يلهي الطفل ويشتّته عن ما كان مصرًا عليه. فمثلًا إن بكى طفلك عند رؤية والده يغادر المنزل لأنه أراد أن يـرافقه، فأنـفـخ له بالـونا كنت قد جهزته لمثل تلك الأزمات مثلًا وغير ذلك. ويتغير أسلوب التشتيت بحسب عمر الولد.

نعم، التجاهل من وسائل العقاب لكنني وإن أردت التجاهل فينبغي أن أراعي الآتي:

هل هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لي؟

هل تعلمين أن ترك الطفل يبكي بشدة لمدة خمسة دقائق متواصلة يؤثر على صحته؟

أما بالنسبة للأولاد الأكبر سنًا، فيعتبر التجاهل وسيلة ناجحة. فالولد الذي “يزن” ويصرخ للحصول على ما يريد قد يتم تجاهله وعدم التواصل معه بالنظر بل فقط بقول: “لن أجيبك وأنت تصرخ” ثم لا تتفاعل الأم أو الأب معه بعد هذا التوضيح.

إصلاح الخطأ

خرّب ولدكم خزانة ملابسه… فهل نعاقب؟

أولًا، علاج التخريب المنزلي هو بكل بساطة إعادة الترتيب كما كان.

فولدكم الذي أحدث الفوضى في خزانته سيجلس ولو لنهار كامل في إعادة الترتيب -ولو لم يكن ذلك وفقًا لمعاييركم-.

ومن المهم تعويد الأولاد على الجلوس والنقاش لحل مشكلة معينة بعيدًا عن الصراخ والهجوم.

نصيحة 

قد يتصرف الطفل ببذاءة وقلة احترام لأن الظروف حوله هيّأت له ذلك، أي هناك عوامل حفّزت عنده السلوك الذي يكرهه الأهل فلذلك ينبغي أن نراعي:

أين ومع من وكيف يمضي ولدنا أغلب وقته؟ من يرى ومع من يتواصل؟ هل نراعي الشرع في تصرفاتنا معه فنعدل بينه وبين إخوته؟ هل نراعي الشرع في تصرفاتنا أمامه فلا نكذب ولا تصرخ المرأة في وجه زوجها ولا يسخر الزوج من زوجته ويُهينها كلما سنحت له فرصة؟

التربية مهمة ليست سهلة ولهذا قيل: إنها من أنفس ما تُصرف فيه الأوقات، فهل نحن جاهزون؟ وهل نحن مهيؤون؟ فقبل العقاب وقبل محاسبة الولد، هل حاسبنا أنفسنا؟

وختامًا… فقد أوردت بعض أساليب العقاب بعيدًا عن الضرب والصراخ، إلا أنّ هناك كثيرًا من الطرق الفعالة الأخرى والتي قد تفشل مع ولد وتنجح مع ولد آخر بحسب الحالة وبحسب الأهل وشخصيتهم.

عزيزتي الأم، عزيزي الأب… هل حضنت أولادك اليوم؟ هل قبّلتهم؟ هل مدحتهم على فعل حسن قاموا به كترتيب غرفة النوم أو توضيب ألعابهم؟ █