أحدُ أحلامِكِ منذ الصغر، ودَورٌ لطالما تخيلتِ نفسك تؤدينه بكل حب وتفانٍ. ليالي طويلة سهرتِ وحَلِمت، تخيلتِ وتشوّقتِ وسَرَحتِ في أفكار عذبة بحُنُوٍّ وعاطفة ما عهدتها من قبل. كم فكرت وخططت لتفاصيل صغيرة وكبيرة، وبحب حضَّرتِ وجهزتِ. حظيت باهتمام من حولك، فالكل يتسابق لتأمين ما تشتهيه نفسكِ كي تكوني راضية. وبعد طول انتظار وفرط ترقب، ها هو حلمك يصبح حقيقة بكل واقعيتها، حلوها ومرّها. حقيقة تلمسينها وتشمينها، تضمينها وتقبلينها كيفما يحلو لك، وتمعنين النظر في جمالها وبراءتها وتداعبين وجنتيها وترتبين خصل شعرها الحريري. ها هو طفلك المنتظر بين يديك لتحبيه بما أوتيت من حب ولتغدقي عليه من حنانك وحبك الفطري. فما بالك لا تفرحين؟ ما بك لا تشعرين بالسعادة التي توقعتها؟ كيف تفسرين شعورك الغريب، ولمن تُسِرِّين بما تشعرين؟ ماذا سيظن بك مَن حولك إن أبديتِ شيئًا ما غير شعور السكينة؟ وكم من شىء تعرفينه أكثر فطرية من حب الأم لوليدها؟

شعورك له اسم… والاسم هو اكتئاب ما بعد الولادة!

نعم، فحدث الولادة بعينه يُحدِث اضطرابات هرمونية جسيمة تتراوح بين الحماسة والفرح والقلق والخوف. قد ينتج عن الولادة ما لا نتوقعه ولا نتحدث عنه كثيرًا، وهو الاكتئاب، فتعاني الكثير من الأمهات من نوبات بكاء متقطع وعدم قدرة على النوم وتقلبات مزاجية شديدة تبدأ عادة خلال أول يومين بعد الولادة وتبقى لغاية أسبوعين في أغلب الحالات. وممكن اعتبار هذا طبيعيًا إلى حدٍّ ما ونوعًا بسيطًا من أنواع اكتئاب ما بعد الولادة. ولكن في بعض الأحيان يكون الاكتئاب أقوى، ويُعرَف حين تكون العوارض المزعجة شديدة وتبقى لفترة طويلة. الحالة الثالثة من اكتئاب ما بعد الولادة شديدة وتشابه حالات الذُهان، هذا وإن قلَّ حدوثه يستدعي تدخلًا طبيًا فوريًا لخطورته. وفي حين أن الاكتئاب شعور مَرَضي مزعج، لا تعني إصابتك به أنك ضعيفة، وعلاجه يساعدك على التغلب على عوارضك والفرح بمولودك! من المهم أن نعرف أن التشخيص بالاكتئاب لا يتم بنفس الطريقة لجميع المصابين به. فمن العوارض المذكورة أدناه، قد تشعر إحدى الأمهات ببعضها دون بعض، وعليه فليس بالضرورة أن تتطابق كل العوارض بين مريضة وأخرى.

عوارض اكتئاب ما بعد الولادة

قد تكونين مصابة باكتئاب ما بعد الولادة إن كنت قد رُزقت طفلًا خلال الاثني عشر شهرًا الماضية وتعانين من بعض هذه العوارض:

التشخيص

من المهم جدًا أن تكون الأم على درجة عالية من الوعي وإدراك أحاسيسها وشعورها الحقيقي، فإن أحسستِ ببعض هذه العوارض بشكل مستمر ولفترة تدوم أكثر من أسبوعين، خاصة إن كانت العوارض في تزايد، تكلمي مع طبيبك بسرعة واعلمي أنك لستِ الأولى ولا الأخيرة التي تصاب بحالة اكتئاب بعد الولادة. طبيبك سيسألك مجموعة من الأسئلة لتقويم حالة الاكتئاب ويطلب منك إجراء بعض فحوصات للدم وغيره لمعرفة إن كان هناك سبب فيزيولوجي لما تشعرين به.

الآن وقد استعرضنا العوارض والتشخيص، دعونا نفكر مليًا، هل سبق أن لاحظنا حالة اكتئاب ما بعد الولادة عند أي من النساء في محيطنا ولم نستطع تفسيرها؟ هل اجتهدنا لفهم الحالة النفسية المزرية لتلك النساء أم عزوناها للرغبة بالدلال أو شحذ الاهتمام؟ هل قدمنا دعمًا من أي نوع لتلك النساء؟ ما هو دور الزوج والأسرة والأصدقاء في المساهمة بمنع حدوث الاكتئاب أصلًا أو منع تفاقمه؟

السؤال الأخير نُجيب عليه في العدد القادم إن شاء الله حيث نبيِّن علاج اكتئاب ما بعد الولادة ونوضح الدور الذي يمكن لكلٍّ منا تقديمه للفهم والمساعدة، ولوقف السكوت عن إساءة فهم هذا المرض وتشجيع الكلام عنه والتعامل معه. █