ما نطق جايسون س. -ابن السّت سنوات- بكلمة مع أحد غير سبعة أشخاص ممّن يعرفهم. أمّا مع من التقاه مصادفة أو زار والديه مرة ما نبس ببنت شفة! حالة احتار لها الوالدان والمعلّمات ممّا دفع بالفريق الأوّل لاصطحاب جايسون إلى مؤسّسة مختصّة صنّفت الحالة بالصّمت الاختياريّ أو ما يسمّى بـ”Selective Mutism” أي رهاب التّكلم أمام الملأ. وخلال أسبوع واحد فقط من التداوي تغلّب جايسون على خوفه وقلقه وهو الآن يتحدّث بطلاقة مع كلّ من حوله من زملاء أو غرباء من أهل أو جيران.
جايسون وغيره مصابون باضطراب سلوكيّ كهذا نتيجة أسباب جمّة منها: الخجل المفرط والتّوتّر الشّديد وثقة النّفس الضّعيفة وقدرة مفقودة على مواجهة أي حدث جديد. وقبل الخوض في أسس العلاج من المهمّ أن نتعرّف على ماهيّة وأسباب: الصّمت الاختياري.
أ. التّعريف
الصمت الاختياري أو الرهاب من التحدّث مع بعض الغرباء هو اضطراب توتّري سلوكيّ حيث إنّ المصاب رغم كونه قادرًا على النطق والتّخاطب بشكل سليم في مواقف معيّنة ومع أشخاص معينين لا يتكلّم مع أشخاص آخرين في حالات معينة أخرى.
ب. نبذة قصيرة عن الاضطراب
أطلق على هذا الاضطراب منذ اكتشافه عام 1877 من قبل فيزيائي ألماني اسمه أدولف كسمال إلى الآن أسماء عدّة. وقد اعتمد “الصمت الاختياري” بدءًا من عام 1994 مصطلحًا للتحدّث عنه.
وقد أثبتت الإحصاءات أنّ شخصًا واحدًا من ألف يصمت اختياريًّا ويتميّز عندها بعجز عن التّخاطب وبالتالي التواصل مع الآخرين سوى أفراد أسرته.
ويصاحب هذا العجز خوف وقلق يؤثّران على حياة المصاب المستقبليّة -إذا لم يعالجا- ماديًّا واجتماعيًّا وذهنيًّا بل وحتى جسديًّا.
ت. الأسباب
كما ذكرت سابقًا للصمت الاختياريّ أسباب مختلفة سأناقش أهم اثنين منها. ولي أن أذكر هنا أنّ الأبحاث تطرح عوامل ونتائج تبقى بالنسبة لنا نظريّات تثبتها الحقيقة والواقع صحيحة أو خطأ وتختلف باختلاف المصاب ونوع السلوك وحدّته ومحيط المصاب.
التّوتّر والقلق
ويرجع هذان السببان إلى الدماغ -سببان بيولوجيّان أو عضويان- الذي يرسل ذبذبات تنمّ عن شعور بتهديد أو خطر محتملين وتضع المصاب بحالة: كرّ أو فرّ. ونتيجة لهذا الشعور يصمت الشخص.
وقد أثبتت الأبحاث أنّ 20 إلى 30% من المصابين بالصمت الاختياريّ يعانون من مشاكل في النطق واللغة نتيجة القلق والتوتر من التخاطب مع الغرباء والتشكيك بقدراتهم على التواصل.
ث. الحلّ
بما أنّ الحياة تطرح العقبات دائمًا -كما الحلول- من الطبيعيّ أن يكون القلق حاضرًا. فالعلاج يعطي المصاب قدرة على مواجهة القلق والسيطرة عليه لا العكس. أمّا بالنسبة لمشاكل اللغة فهي دائمة الوجود كذلك لأنّ الحضارات اندمجت فيما بينها ولا زالت. لذا سيتعرّض المصاب بل والعالم بأسره إلى لغات مختلفة نتيجة الدّمج بالتأكيد. لكنّ العلاج والسيطرة على القلق ينعكسان بالتالي على صعوبات اللغة.
فكيف العلاج؟
اعتمد المختصّون في السلوك البشري أسلوب المواجهة المستمرّة والتعرّض بكثرة للتحدّث مع الآخرين للتخلّص من الصمت الاختياريّ. وقد طبّق الدكتور ستيفن كيرتز من مؤسّسة “Child Mind Institute” الأسلوب هذا ببرنامج أطلق عليه “Buddies Brave” حيث واجه جايسون وأقرانه غرباء افتتحوا معهم الأحاديث يوميًّا -كما يتطلّب العلاج- حاول جايسون خلالها التملّص منها بصمته الاختياري. لكنّه تجاوب مع هؤلاء النّاس بعد حوالي أسبوع مخاطبًا إياهم بكلمة أو جملة بسيطة.
واستمرّ العلاج بعد التجاوب حتى استقل جايسون وأقرانه بالمبادرة بالحديث مع من حولهم ممّا دلّ على ارتفاع مستوى الثقة بالنفس وانخفاض مستوى القلق والتوتّر.
طُبّق برنامج “Brave Buddies” على مدار ستّة أيّام متواصلة يصمت فيها المصابون -كالعادة- لكن يتركون على سجيّتهم. خلال المرحلة تطرح على الصامتين أسئلة محفّزة يختارها المختصّون لإرغامهم على الإجابة -أي التكلّم- بعيدًا عن استعمال الإيماءات الجسديّة كهزّ الرّأس للقبول أو الرّفض وغيرها.
ويصاحب البرنامج التحفيز والتشجيع خطوة بخطوة لتدعيم الثقة الهشّة ويتعرّض معها الصامتون لغرباء بتكرار واستمراريّة ليتغلّبوا تدريجيًّا على قلقهم وبالتالي: صمتهم.
ج. أسس نجاح العلاج
.1 التحفيز المعتمد في تربية الأولاد ككلّ.
.2 العمليّة والسلاسة في تطبيق العلاج.
.3 التحاور مع الآخرين -مهارة حياتيّة مهمة لكلّ إنسان- لكن بالنسبة للصامت الاختياري تطبّق مع الإرشاد والتوجيه من قبل المختصّ.
- العلاج الدوائي الغائب.
- البناء للثقة بالنفس والتي تترك آثارها في حياة المصاب الحاليّة والمستقبليّة بكلّ نواحيها.
عندما يصمت الطفل يكمن خلف صمته ذاك كلام مكبوت مثل “إنّي خائف” أو “أنا قلق” أو “أنا محتار”. فيا أم ويا مربّي مدّا يد العون وتفهّما كلامه “الصّامت” وساعداه ليترجمه إلى التعبير والكلام “المحكيّ”. █