يمرّ نموّ الطفل بمراحل مختلفة بحسب العمر، فما إن يبدأ بالنطق حتّى يبدأ بتقليد ما يسمع من كلمات ليتحسّن مع الوقت لفظه ويتقنه بعد سنين فيشكّل أحيانًا مشكلة لأهله بكثرة كلامه وكثرة أسئلته. إنّها مشكلة الطفل السآّل الذي يرهق أهله والمحيطين به بأسئلة عن كلّ ما يسمع ويرى ويكتشف فيقفون عاجزين أحيانًا عن إيجاد الأجوبة التي تتلاءم مع عمره وفهمه. فمثلًا ينتقل الطفل من أسئلة “ما هذا؟” إلى أسئلة “كيف هذا؟” إلى أسئلة “لماذا؟”. ويسأل عن كلّ شىء جديد تتعاطى حواسّه معه. فكيف ينبغي أن يُتعامل معه؟ 

يعرف الطفل السآّل بما يأتي:

– كثرة الاستفسارات عن كافة الأمور.

– عدم الاكتفاء بالسؤال عن العموميّات إنما الإكثار من الأسئلة عن التفاصيل.

– عـند الإجـابـة عـلـى أسـئـلـة الـطـفـل السآّل يتبعه بسؤال آخر، وهكذا دون ملل.

– عدم الاقتصار على الأسئلة عن كلّ ما يخطر له بل يتخطّاه إلى إظهار الرغبة بالمشاركة في الأعمال ولو لم تكن مما يَخصُّه.

يقول بعض الباحثين إن أسئلة الطفل تحمل مؤشّرات حسنة منها:

– بدء النموّ الفكري للطفل وحبّ التعلم والاستكشاف.

– تحسن مستوى الإدراك عند الطفل لكل ما يدور من حوله.

– المعلومات المتنوعة التي يكتسبها من أسئلته غالبًا هي معلومات لا ينساها بسهولة لأنه بحث عنها بنفسه.

يختلف تعامل الأهل مع أسئلة الطفل، فيحصي الباحثون سبعة مستويات للإجابة عنها.

سبعة مستويات للإجابة عن أسئلة الطفل

المستوى الأول: رفض السؤال كأن تكون ردّة فعل الوالدين من قبيل: “توقف عن هذه الأسئلة”، “لا تكن كثير التساؤل”، “لا تزعجني بأسئلتك”… وهنا تصل إلى الطفل رسالة تحمل له أمرًا بالصمت، فالأسئلة مصدر إزعاج وبتكرار هذه الإجابة يتعلم الطفل عدم توجيه أسئلة. ويُخشى في هذه الحالة أن يصل الطفل إلى مرحلة عدم سعيه لتعلّم ما يفيده.

المستوى الثاني: إعادة صياغة السؤال -التهرب- في هذا المستوى لا يقدم المجيب إجابة حقيقية.

المستوى الثالث: إعطاء إجابة مباشرة أو الاعتراف بالجهل وهنا تتاح للطفل معرفة شىء جديد، أو قد يتبين أن والديه أو معلّمه لا يعرف كل شىء. ونقترح في هذه الحالة أن يشترك المربي والطفل في البحث حتى يتوصل إلى بدائل متعددة للإجابة عن السؤال.

المستوى الرابع: تشجيع الطفل على البحث عن الإجابة من مصادر موثوق بها أو سؤال أهل الاختصاص والمعرفة والثقة.

المستوى الخامس: تقديم تفسيرات كأن يقوم المربي بالإجابة المباشرة عن موضوع السؤال.

المستوى السادس: تفسير أو الإجابة عن السؤال وتقويم الإجابة وهنا لا يكتفي المجيب بتشجيع الطفل على التوصل لبدائل متنوعة، ولكن يناقش معه طرق تقويم مصداقية كل بديل.

المستوى السابع: التوصل لتفسير وتقويم التفسير ومتابعة التقويم هنا يسعى المجيب لتشجيع الطفل على القيام بتجربة، وجمع الإجابة من الكتب والمصادر، وبذلك يتعلّم الطفل التفكير والبحث بنفسه عن الإجابة.

ولكن قد لا يتاح للمربي أن يصل إلى المستوى السابع إما لضيق الوقت أو لقصور المصادر أو لعدم مناسبة هذا المستوى لعمر الطفل، وهنا يختار المربي المستوى المناسب للموقف.

ولكن عندما تتخطّى هذه الأسئلة الحدّ المقبول يراها البعض مشكلة تستدعي حلًا فكيف يتصرّف الأهل مع هذه المظاهر؟

التعامل مع الطفل السآّل

ينبغي أن يدفع تصرّف الأهل مع الطفل السآّل إلى حصر أسئلته وتحويلها لوسيلة تعلّم له:

– الانتباه أن لا يكون أسلوب الأهل يُفهِم عدم طرح الأسئلة بالمرّة إذ إنّ الطفل يحتاج لأن يسأل عن بعض الأمور.

– عدم تجاهل السؤال لأنّ التجاهل لن ينسيه الموضوع بل قد يجعله يتفاعل في ذهنه وقد يدفعه للبحث عن الجواب في مكانٍ آخر وهنا الخطر في أن يلجأ إلى أشخاص غير مناسبين. فمن هذه الأسئلة سؤالًا يراه البعض محرجًا: “من أين جئت أنا يا أمي؟ وكيف؟”. يتهرّب الأهل أحيانًا من الإجابة عن هذا السؤال أو يؤلّف البعض الأكاذيب. لكن يعتبر الباحثون أن الإجابات البعيدة عن منطق الطفل وعقله قد تسبّب له الكبت، والتعقيد، لأنه لم يجد ضالته، ولم يتلقَّ جوابًا مقنعًا، أو جوابًا يستطيع عقله استيعابه. فالأهل يمكنهم الإجابة دون الخوض في التفاصيل. فتأتي الإجابات مفهومة ومختصرة، حتى يستطيع الطفل فهمها دون سأم أو ملل.

– استغلال الأسئلة التي يطرحها لتعليمه أشياء تفيده فيتصرّف الأهل بحنكة لأخذه ممّا يسأل إلى المكان الذي يريدون بدل أن يأخذهم هو من متاهة إلى متاهة دون جدوى. فيكفي أحيانًا إيصال معلومات عامّة تكتمل لاحقًا ليكتسب معلومات أكثر دقّة. وهذا أمر يقدّره الأهل بحسب عمر الولد وذكائه وما يعرفه سابقًا.

– عادة المعلومة التي يبحث عنها الطفل تبقى راسخة لأنّه بحث عنها بنفسه. فينبغي أنّ تتّسم الأجوبة عليها بالمصداقية العالية، أما عند عدم توفر معلومات لدينا عما يسأل عنه الطفل نجيب بصراحة أن المعلومة غير موجودة الآن ولكن سنبحث لك عنها. فنستشير ثمّ نخبره. هذا الأمر يزيد ثقة الولد بأهله لأنّهم فعلًا أجابوه كما وعدوا ويرسّخهم بالنسبة له كمرجع يُلجأ إليه.

– التطبيق العملي، إن الجواب -إن أمكن- على تساؤلات الطفل مهم جدًّا. فإن سأل مثلًا: “كيف نصنع قالب الحلوى”، يمكن للأم أن تشرح له باختصار وتعده بأنها ستدعه يشاركها في إعداده، فتوكله بمهامّ بسيطة مع تذكيرها أنّها تفي بوعدها له.

– اختبار الطفل فيما أجبناه عنه لمعرفة إن كان تعلّم حقيقةً ما أردنا تعليمه أو أساء الفهم. إن كانت النتيجة مشجّعة نستمر بالطريقة نفسها لتعاملنا مع أسئلته أما إن كانت الإجابة غير مشجعة يعني ينبغي إعادة النظر بطريقة التعامل مع الطفل. ولا مانع من استشارة متخصص سلوك.

ولكن ما الذي يدفع الطفل للإكثار من الأسئلة؟

دوافع كثرة الأسئلة

– خوف الطفل من شىء ما ورغبته بالاطمئنان.

– رغــــبــة الـــطـــفــل بالاســـتــطـــلاع والاسـتكـشـاف.

– رغــبــة الـطـفـل بالـمـشـاركة وإثـبـات حضوره.

– رغبة الطفل في تقليد الكبار والمشاركة في أحاديثهم.

– امتحان نموّ قدرته بالنطق.

إذًا فإنّ أسئلة الطفل هي مؤشّر عن حالته النفسيّة والاجتماعية وعن نموّه فينبغي أن تُواجه من الأهل بكثير من النضوج لمعرفة أسبابها ودفعه لطرح الأسئلة المناسبة المفيدة له واختيار الوقت المناسب والشخص المناسب… فإن كان للكلام وقت فللسكوت أوقات.

رسائل كثيرة يمكن أن يوصلها الأهل بحكمة بدل قمعه وتوبيخه، الأمر الذي قد يؤدّي به إلى أجوبة غير صحيحة قد توصله إلى ما لا تُحمد عقباه.█