هل أتكلم أم أصمت؟ ماذا أقول؟ ولمن أقول؟ هل شعوري هذا جدير بالتصريح؟ وإن صَرَّحت، هل سينالني التجريح؟ هل سيفهم من حولي ما أشعر به؟
أسئلة تعاني من عدم القدرة على الإجابة عليها كثير من النساء المصابات باكتئاب ما بعد الولادة المرضي، والذي بيّنّا عوارضه في مقال العدد السابق. في حين أنه مرض غير نادر الحدوث، يبقى السكوت عنه أكثر شيوعًا من مناقشته وتفنيده وفهمه، والأهم من هذا كله أن الكثير من المكتئبات لا ينلن المساعدة التي يحتجن إليها مما يؤدي بالبعض إلى الدخول في دوامة الكآبة المزمنة التي تتفاقم آثارها. فكيف يكون علاج هذا الاكتئاب؟ وما دور المقربين في مساعدة المصابة بالكآبة؟
علاج اكتئاب ما بعد الولادة
علاج الاكتئاب ومدته والتغلب عليه يعتمد على درجته وحاجات المريضة الشخصية. إن كان هناك سبب فيزيولوجي، يعالج هذا أولًا بالأدوية المناسبة. يمكن للأم أن تقوم ببعض الخطوات التي قد تشعرها بالتحسن إن كانت حالة الاكتئاب عندها بسيطة وفترتها وجيزة، ومنها الاهتمام بأخذ قسط مناسب من الراحة كل يوم وأن تهتم بنفسها وتقبل مساعدة زوجها وأسرتها وأصدقائها بل وتطلبها أيضًا حين تحتاج إليها وأن تتواصل مع غيرها من الأمهات لتشعر بأنها ليست وحدها في هذه التجربة التي تخوضها. في حالات الاكتئاب الشديد أو المزمن، قد يتطلب العلاج بعض الأدوية المضادة للاكتئاب والعلاج النفسي عبر التكلم مع المعالجين المختصين لتخفيف الشعور بالعزلة ولوضع طريقة مناسبة للتعامل مع المشاعر المزعجة والمواقف المحبطة. بوجود العلاج المناسب والدعم الأسري، غالبًا ما تتغلب الأم على اكتئابها في فترة ستة أشهر، وقد يمتد العلاج لفترة أطول إن دعت الحاجة.
دعم الأم المكتئبة
من المهم للأشخاص المحيطين بالأم أن يكونوا أيضًا واعين لحالتها النفسية، إذ إن مريض الاكتئاب قلما يعترف باكتئابه أو يلاحظ أن شعوره قد أصبح مرَضيًا فعلًا، وخاصة في حالة اكتئاب ما بعد الولادة حيث يتوقع الجميع من الأم الفرح والغبطة ولا شىء دونها. للزوج والمقربين دور هام في دعم النُفَساء بتقدير شعورها وعدم الاستخفاف به أو اتهامها بالدلع أو التقصير، ففي ذهن المكتئب تختلف القدرة على معالجة الأمور والتفاعل معها عن الطريقة التي يتعامل فيها غير المكتئب. في حين يظن الأخير أن الأمر الذي يزعج المرأة المكتئبة شىء سطحي وسخيف، يكون الأمر في ذهنها كبيرًا وحقيقيًا ومؤلـمًا.
دور الزوج
حبذا لو يتعمّد الزوج أن يأخذ إجازة لبضعة أيام عقب ولادة طفله، ليكون متوفرًا للمساعدة والدعم في الأيام الأولى الحرجة التي يحتاج فيها الجميع أن يعتاد على الوضع الجديد. على الزوج أن يأخذ بعض الحمل عن زوجته ليسمح لها بالنوم لفترات أطول وللاهتمام بنفسها؛ نظافتها ولياقتها وطعامها الصحي المتوازن، وألا يلومها على ما قد يراه البعض تقصيرًا في بيتها؛ كنظافته وترتيبه، فهذا دور يستطيع الرجل المساعدة فيه بشكل مباشر ولا يعيبه ذلك أبدًا بل يزيد من شأنه لما فيه من الاقتداء بأفضل الخلق سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام الذي كان يعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم ويخيط ثوبه. احرص أيضًا أيها الزوج على أن تراقب درجة عزلة زوجتك عن الناس، فأخرجها من عزلتها حين ترى أنها تبالغ فيها عن اكتئاب، بأن تُخرِجَ الأسرة للمشي في مكان جميل أو تأخذ زوجتك لتزور صديقاتها في حين تهتم أنت بالأطفال لساعة من الزمن. اسألها عن نفسها وعن أحاسيسها وأنصت لها حين تود أن تتكلم عن مشاعرها. ادعمها بكلام لطيف تشعر معه بتقديرك لكل ما تحسن به إليك وللأطفال. حتى حينما يكون ما يزعجها أمرًا هامشيًا في نظرك، استمع إليها باهتمام حقيقي ودون أن تلتهي عنها بهاتفك أو برنامجك التلفزيوني. أشعرها بأنك ستكون لها عونًا وسندًا في كل خطوة من حياتكما المشتركة، وأن ما تمر به من أزمة شعورية سيتغير إلى الأفضل بإذن الله. اجعلها أيضًا تشعر بالاطمئنان وهي تطلب منك أن تساعدها، وأنك ستنفّذه لها ولو على حساب وقتك الخاص أو راحتك الشخصية، فالأم الصحيحة جسديًا ونفسيًا أقدر على قيادة أسرتها بشكل فعال، وما تقدمه الأم والزوجة لصالح الأسرة جمعاء يجعلها أهلًا للشكر والمساعدة والتقدير.
الاكتئاب شعور قد يرافق الاضطرابات الهرمونية الشديدة على نحو ما يحدث خلال الحمل وبعد الولادة، فالاكتئاب وارد حدوثه أيضًا خلال الحمل وليس فقط عند انتهائه. من المهم التنبه لعوارض الاكتئاب في كل مرحلة والتطرق إلى التحدث عنها ومعالجتها قبل أن تستفحل، وعلينا أن نفهم بأن الاضطرابات المزاجية المصاحبة للحمل والولادة أمر مؤقت وقابل للعلاج باللجوء إلى المختصين بهذا الشأن. فهو ليس أمرًا تصطنعه الأم شحذًا للاهتمام بل هو حالة مرضية تستدعي الانتباه كغيرها من الأمراض.
فلننتبه إلى حاجات نسائنا ونؤازرهن في هذه الفترة المفعمة بالمشاعر الشديدة والتغييرات الهرمونية القوية، ولنكن لهن عونًا وملاذًا ومصدر قوة، نتجنب إحباطهن ونستشعر آلامهن ونُفهِمُهُنَّ أننا معهن في هذا الأمر حتى نخرج منه معًا أقوى!█