بسم الله نبتدي الكلام ونصلّي ونسلّم على خير الأنام، ونحمد الإله الكريم المنّان. 

أمّا بعد فكلامنا اليوم عن أمرٍ له ارتباط بالسكوت والكلام. كلامنا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنّه ممّا لا يخفى عليكم أعزّاءنا القرّاء أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من الواجبات. إذ يجب على كل مكلّف أي بالغ عاقل بلغته دعوة الإسلام، أن يؤدّي الواجبات ويجتنب المحرّمات. ويجب عليه أمر من رآه تاركًا شيئًا من هذه الواجبات أن يؤديّها على وجهها أي أن يأتي بشروطها وأركانها مع اجتناب مبطلاتها. 

فمن معاصي اللسان السّكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغير عذر. وقد دلّت على ذلك آياتٌ قرءانيّة عديدة: منها قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾ سورة آل عمران. وآيات قرءانية أخرى…

وقد مدح الله تعالى أمّة النبيّ الأعظم محمّد عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم لأنّهم يأمرون الناس بالمعروف وينهونهم عن المنكر. قال الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ سورة آل عمران، ولقد ورد ذمّ مَن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مِن الأمم السابقة. قال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79)﴾ سورة المائدة. كذلك يُستدلّ على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الحديث الشريف فقد روى مسلم عن أبي سعيد الخدري أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من رأى منكم منكرًا فليغيّرْهُ بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أَضْعَفُ الإيمان“، ويدُل هذا الحديث على أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يكون بحكمة. فإذا علم الشخص أنّه إن تكلّم ناهيًا عن المنكر يؤدّي فعله ذلك بمرتكب المعصية إلى ارتكاب منكرٍ أعظم كوقوع الشخص في تكذيب الدين مثلًا، فعليه في هذه الحالة السكوت والاكتفاء بإنكار المنكر في قلبه. ويدلّ على ذلك نهاية الحديث “فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” أي أقلّ ما يلزم الإنسان عند العجز للسلامة من معصية ترك إنكار المنكر.

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واختيار الكلام أو السكوت مع الإنكار بالقلب يستدعي حكمة لدى الداعي إلى الله. وليكن كلامه بأسلوب الناصح الشفوق على الآخر وليس بأسلوب الاستعلاء والتكبّر أو بأسلوب مَن اطَّلع على زلة غيره ويريد إذلاله. فقد صدق من قال: اسلكوا طريق الأمر بالمعروف في النهي عن المنكر. ولكن حذار أعزّائي القرّاء أن يزيّن لكم الشيطان ترك الأمر بالمعروف متذرّعين أنّ الشخص لن يتقبّل من غير سبب، فقد قال عليه الصلاة والسلام: “إنّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيّروه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب” رواه ابن حبان. فليكن كلامكم طيّبًا وتوكّلكم على الله ولتكن نيّتكم خالصةً لله تعالى بهدف أن تكونوا سببًا لأن يترك ذلك الشخص المعصية. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يؤخّر رزقًا ولا يقرّب أجلًا، لأنّ الرزق مقسوم والأجل مكتوب ولا يكون إلّا ما قدّره الله.█