الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، الحمد لله خالق كل شىء، ولا يحتاج إلى شىء، ولا يشبهه شىء. والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
إخواني وأخواتي، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)﴾ سورة الحج.
يدور الزمان كدورته كل عام ويطل علينا عيد الأضحى المبارك، هذا العيد الجامع الذي يلتقي فيه الأهل والأرحام والأصحاب، وتذبح الأضاحي، ويتزاور الناس. هذا العيد الذي يلتقي فيه حجاج بيت الله الحرام في تلك الديار، يؤدون مناسك الحج ويزورون حبيب الله في روضته الشريفة، ويتوجهون بالدعاء إلى خالقهم الواحد الأحد الفرد الصمد.
أهلا بك أيها العيد المبارك الذي يطيب لنا فيه أن نُذَكِّرَ أنفسنا وغيرنا بتقوى الله وصلة الأرحام، وذبح الأضاحي، والتصدق على المحتاجين والإحسان والتزاور ابتغاء مرضاة الله رب العالمين.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهِم وتَرَاحُمِهم وتَعَاطُفِهم مَثَلُ الجسد إذا اشتكى منه عُضْوٌ تَدَاعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهَرِ وَالْـحُـمَّى” رواه مسلم.
وكم هو مناسب أن نذكِّر على وجه الخصوص بصلة الأرحام لأنّ قطيعة الرحم من معاصي البدن الكبائر بالإجماع، وتحصل بإيحاش قلوب الأرحام وتنفيرها، إما بترك المواساة أو الإحسان بالمال في حال الحاجة النازلة بهم، أو بترك الزيارة بلا عذر .
والمراد بالرحم الأقارب كالجدات والأجداد، والخالات والعمات وأولادهنّ، والأخوال والأعمام وأولادهم، والإخوة والأخوات وأولادهم.
يقول الله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)﴾ سورة محمد.
كذلك نذكر ببرِّ الوالدين، والله تعالى يقول: ﴿وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ سورة النساء.
في هذه الآية حثّ على برِّ الوالدين وكسب رضاهما في حياتهما، فمن أراد النجاح والفلاح فليبرّ أبويه، فإنّ من برّ أبويه تكون عاقبته حميدة بإذن الله.
وقد نهى الله عباده في القرءان الكريم عن قولِ “أُفٍّ” للوالدين وهو صوتٌ يدل على التضجّر.
ولقد ذُكر أن رجلًا مسرفًا على نفسه يلهو ويعبث ويفعل ما حرّم الله، وكان له أمّ صالحة تأمره بترك ذلك وتنصحه بسلوك طريق التوبة وهو لا يلتفت لنُصحها إلى أن مرض مرضًا أضجعه فندم وتاب إلى الله ثم وهو على فراش الموت قال لأمه: “يا أمّاه إذا أنا متُّ فاتبعيني إلى قبري فإذا وضعوني فيه فانزلي أنتِ أيضًا فيه وقولي: يا ربّ إني قد رضيت عنه فارضَ اللهمّ عنه”.
فلما توفي لم تجد أمّه من يقوم معها بتهيئة الجنازة فغسّلته وكفّنته ثم استأجرت أربعة رجال للصلاة عليه ودفنه، ثم خرجت الجنازة من البيت ولم يخرج مع الجنازة إلا الأمّ والأربعة الذين استأجرتهم. فرأى الجنازة عالِم من العلماء استغرب أمرها فلحق بها ليعرف من هذا الذي لم يهتم بجنازته إلا القليل وخلفهم امرأة، فإذا به يلمح الأم قد نزلت في القبر كما أوصى ولدها. ربّته في صغره ونصحته في كبره ولحقته بعد موته إلى قبره ونزلت في القبر وقالت: “اللهمّ إني قد رضيت عنه فارض اللهم عنه”، وبقي العالِم عند القبر فسُمِع صوتٌ من القبر يقول: “إن الله قد رضي عنه برضائكِ عنه”.
أيها الإخوة الأعزاء، كما أذكركم بفضيلة طلب العلم الشرعي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين وإنما العلم بالتعلم” رواه البخاري. الرسول صلى الله عليه وسلم يُبين أن من أراد الله به خيرًا يفقهه في دين الله أي يعلّمه أمور الدين العقيدة والأحكام. فيجب الاعتناء بتعلم علم الدين من أهل المعرفة وليس بمطالعة الكتب، علم الدين يؤخذ من أهل المعرفة الثقات الذين أخذوا ممن قبلهم وهكذا يتسلسل إلى الصحابة.
فمن تعلّم علم الدين الضروري وأدّى الواجبات واجتنب المحرمات وأكثر من النوافل، ذكرًا كان أو أنثى، فهو من عباد الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. قبل الموت تُبشّره ملائكة الرحمة، وعزرائيل يُبشّره أيضًا بأنه إلى الجنة وأن الله راض عنه، يُبشّره بذلك فيمتلئ سرورًا مهما كان متألِمًا من سكرات الموت.
وفي عيد الأضحى المبارك لنكن من أهل البشاشة مع إخواننا المؤمنين، وإذا أحب أحدنا أخاه فليخبره بذلك. فعن أنس رضي الله عنه أن رجلًا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر به رجل فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “أأعلمته”؟ قال: لا. قال: “أعلِمه”. قال فلحقه فقال: إني لأحبك في الله. فقال: أحبك الله الذي أحببتني له، رواه أبو داود.
ولقد حثّنا رسولنا الكريم المصطفى صلوات الله وسلامه عليه حثًّا بليغًا على فعل الخيرات وعلى النظر في المصالح العامة والسعي لتحقيقها.
وإن مما اتفق عليه العلماء أنّ حفظ المصالح العامّة مقدم على حفظ المصالح الخاصة، وكذلك دفع المفاسد العامّة أهمّ من دفع المفاسد الخاصة، فعملًا بذلك ينبغي أن تجتهدوا فيما ترونه حفظًا للمصالح العامّة بكل جهودكم.
إن جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية تكبر وتعتز بكم، ويشمخ جبينها عاليًا بثقتكم. لم نكن منغلقين يومًا، ولن نكون. نمد يدنا لمن يريد التعاون بصدق. لقد كنا صادقين عندما قلنا إننا لا نبيع المبادئ بالمناصب، ولا نبيع ثقتكم بالذهب ولا بالفضة ولا بالدولارات.
قوة جمعية المشاريع أنها على الحق وعن الحق لا تحيد. قوتها بكونها على قلب رجل واحد، لا طمعًا في دنيا فانية ولا رغبة في عرض زائل، بل سعيًا نحو الخير وتحقيقًا للمصالح العامة ورغبة في مرضاة الله وليس مرضاة الناس.
وقد قال مولانا المربي المرشد الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله تعالى: “أَخلِصُوا النّيةَ للهِ، اللهُ تعالى لا يَقْبَلُ من العمل إلا ما كانَ خَالصًا لهُ، أخلِصُوا النّيةَ للهِ وتَواضَعُوا، كلٌّ منكُمْ فليتَواضَع وليُعامِل أخَاهُ بما يحبُّه لنَفسِه، لا يَذهَبْ أحدُكُم مَذهَبَ الاستِبْدادِ والترفّعِ، لأن هذا خَرابٌ، لا يُناسِبُ الدعْوةَ إلى اللهِ، الدّعوةُ إلى اللهِ تحتاجُ إلى التّواضُع والتّوافُقِ والتّحَاب، اسلكُوا هذا المسْلَكَ حتى تَنجَحُوا في عمَلِ الدعْوَةِ”.
وأخيرًا، أتقدم منكم بالتهاني سائلًا الله تعالى أن يُعيد هذا العيد عليكم بالخير والتوفيق، وعلى لبنان بالأمن والسلام، وعلى الأمة جمعاء وقد رُفع البلاء وعمّ الأمان وفرجت الكربات.
وكل عام وأنتم بخير. █