هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن بن محمد بن مهذب السلمي المغربي أصلًا، الدمشقي مولدًا، ثم المصري دارًا ووفاة، وكان رضي الله عنه شافعي المذهب قيل إنه بلغ درجة الاجتهاد المطلق.
كنيته وبعض ألقاب عُرف بها
كان الإمام العز يكنى بأبي محمد، ولقب رضي الله عنه بعدة ألقاب منها بعز الدين، وشاع بين الناس: الإمام العز، وسلطان العلماء لقبه به تلميذه ابن دقيق العيد، كما لقب بشيخ الإسلام.
اتفق أنه ولد في دمشق، واختلف في تحديد سنة ولادته، فقيل بدمشق سنة 577هـ.
نشأته
كان العز بن عبد السلام يعيش في أسرة فقيرة مغمورة لم يكن لها مجد أو سلطان أو منصب، أو علم، فقد ولد العز بن عبد السلام في دمشق الشام، وهي وقتئذ مركز هام للعلم والمعرفة وقبلة للعلماء والفقهاء، كما كانت دمشق ممتلئة بنعم الله وخيراته الوفيرة من ماء عذب وزراعة وصناعة وتجارة درّت عليها الرزق الواسع والخير الوفير، في هذه المدينة العريقة ولد العز بن عبد السلام ونشأ في ربوعها وتنسم هواءها وترعرع في أجوائها وبينما انشغلت أسرته بطلب الرزق أخذ العز بالاغتراف من بحر العلوم فنشأ نشأة صالحة فقد كان رضي الله عنه شابًا متدينًا، متعبدًا، سلك منهج الحق، وتعلق قلبه بالمساجد لا يخرج منها إلا ليعود إليها، فكان مثالًا للشاب الذي نشأ مستقيمًا في طاعة الله، عازفًا عن ملاهي الدنيا وشهوات النفس.
مثابرته في طلب العلم
لقد كان رضي الله عنه مثالًا يحتذى في الاشتغال بالعلم والتعليم فقد شمّر عن ساعد الجد وشحذ الهمة، فحفظ المتون ودرس الكتب وتردد على كبار الشيوخ في عصره.
شيوخه
تردّد العز بن عبد السلام على مشايخ كثر نذكر منهم:
– جمال الدين الحرستاني: وقد سمع العز بن عبد السلام الحديث منه وأخذ عنه الفقه حتى قال فيه إنه لم ير أفقه منه وعليه كان ابتداء اشتغاله.
– فخر الدين بن عساكر: هو المعروف بابن عساكر، شيخ الشافعية بالشام، وفقيه زمانه، وكان محدثًا صالحًا، زاهدًا كثير التهجد، حسن الخلق والخلق، كثير الأدب والذكر، منقطعًا للعلم والعبادة، جمع بين العلم والعمل. لازمه العز كثيرًا وأخذ منه الفقه والحديث، وتأثّر به في علمه وأخلاقه وسلوكه.
– سيف الدين الآمدي: درس عليه العز الأصول واستفاد منه كثيرًا، وتأثر به، ويبدو ذلك في كتاب العز “قواعد الأحكام في مصالح الأنام” وكان من المعجبين به، وبطريقة تدريسه ومناظرته، وقد ظهر ذلك في بعض عبارات من كلامه عن شيخه الآمدي منها قوله: ما سمعت أحدًا يلقي الدرس أحسن منه، كأنه يخطب.
تلاميذه
تتلمذ على يديه الكثير من العلماء الأكابر منهم:
– شيخ الإسلام ابن دقيق العيد.
– أحمد بن عبد الرحمن القرافي.
– أحمد بن فرح الإشبيلي.
– شرف الدين أبو محمد الدمياطي، والكثير غيرهم.
أعماله في التدريس والإفتاء والقضاء والخطابة
قام العز بن عبد السلام بالتدريس في مدارس دمشق ومساجدها، وهو أول عمل قام به العز رحمه الله وأول مدرسة عمل بها هي المدرسة العزيزية حيث كان للعز مجلس فيها يدرس فيه العلوم الشرعية، كما درس في المدرسة الشبلية، ثم تولى التدريس في الزاوية الغزالية وهي مكان صغير بجانب الجامع الأموي من جهة الغرب وسُمّيت بذلك نسبة إلى الإمام الغزالي. وبعد هجرته إلى مصر، ولاه السلطان التدريس في الصالحية بالقاهرة وكانت مدرسة كبيرة خصصت لتدريس المذاهب الأربعة. فأسند تدريس المذهب الشافعي للإمام العز رحمه الله فبقي فيها إلى أن توفي سنة 660هـ.
لم يكتف العز بالتدريس بالصالحية فقط بل عقد حلقات العلم في المساجد وقصده الطلاب من الآفاق، وتخرّج عليه في هذه الفترة معظم تلامذته الذين برز نجمهم وسطعت شمسهم في الآفاق كابن دقيق العيد، والدمياطي، وغيرهم ممن سبق ذكر بعضهم.
ثناء العلماء على الشيخ عز الدين
أثنى عليه الكثير من العلماء ومدحوا فيه علمه وورعه وحسن أخلاقه رحمه الله منهم:
– العلامة تاج الدين بن السبكي فقد قال في ترجمته العز: “شيخ الإسلام والمسلمين، وأحد الأئمة الأعلام، سلطان العلماء إمام عصره بلا مدافعة، القائم بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في زمانه، المُطَّلِع على حقائق الشريعة وغوامضها، العارف بمقاصدها…”.
– وقال العلامة الفقيه الشيخ جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي في ترجمة العز: كان رحمه الله شيخ الإسلام علمًا، وورعًا، وزاهدًا وله تصانيف، وتلاميذ، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر.
حادثة تدل على جرأته في قول الحق
كان بعض أمراء الدولة من المماليك لم يثبت لهم عند الإمام العز أنهم من الأحرار وكان يحكم بأن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين فبلغهم ذلك فعظم الخطب عندهم والشيخ مصمم لا يصحح لهم بيعًا ولا شراء ولا نكاحًا.
وكان من جملتهم نائب السلطنة فاستشاط غضبًا فاجتمعوا وأرسلوا إليه فقال نعقد لكم مجلسًا وينادى عليكم لبيت مال المسلمين ويحصل عتقكم بطريق شرعي فرفعوا الأمر إلى السلطان فبعث إليه فلم يرجع عن حكمه وقراره. فخرجت من السلطان كلمة فيها غلظة حاصلها الإنكار على الشيخ في دخوله في هذا الأمر وأنه لا يتعلق به، فغضب الشيخ وحمل حوائجه على حمار وأركب أسرته على حمار آخر ومشى خلفهم خارجًا من القاهرة قاصدًا نحو الشام فلم يصل إلى نحو مسافة نصف بريد إلا وقد لحقه غالب المسلمين من العلماء والصلحاء والتجار فبلغ السلطان الخبر وقيل له: متى راح ذهب ملكك فركب السلطان بنفسه ولحقه واسترضاه وطيّب قلبه فرجع واتفقوا معهم على أنه ينادى على الأمراء فأرسل إليه نائب السلطنة بالملاطفة فلم يفد فيه فانزعج النائب وقال: كيف ينادي علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض والله لأضربنه بسيفي هذا، فركب بنفسه في جماعته وجاء إلى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده فطرق الباب فخرج عبد اللطيف ولد الشيخ العز فرأى من نائب السلطنة ما رأى فعاد إلى أبيه وشرح له الحال فما اكترث لذلك ولا تغير وقال: يا ولدي أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله ثم خرج إلى نائب السلطنة فحين وقع بصره على النائب يبست يد النائب وسقط السيف منها وأرعدت مفاصله فبكى وسأل الشيخ أن يدعو له وقال له: ماذا تريد أن تفعل؟ فقال العز: أنادي عليكم وأبيعكم، قال: ففيم تصرف ثمننا؟ قال في مصالح المسلمين، قال: من يقبضه؟ قال: أنا فتم له ما أراد ونادى على الأمراء واحدًا واحدًا وغالى في ثمنهم وقبضه وصرفه في وجوه الخير وهذا مما لم يسمع بمثله عن أحد رحمه الله تعالى. █