لكل شخص أمنية في هذه الحياة، كل واحد منا يحب أن يهرب أحيانًا من واقعه المرير بأمنية أو أماني تشعره بالارتياح ولو للحظات وتبعده عن الحالة المأساوية التي يعيشها. فالبعض تنبع معاناته من وضع ماليّ متردٍ يجعله يحلم بالأموال الطائلة والمسكن الفخم مع علمه بأن أيًّا منها غير موجود معه، لكنه يحلم. والبعض تنبع معاناته من قسوة مديره في العمل ونوعية عمله المضنية فيحلم بأن يكون صاحب شركات عنده الكثير من الموظفين الذين يقومون بالعمل عنه، مع علمه أن الشركات والموظفين غير موجودين، لكنه يحلم. ولو أردنا أن نسرد كل المشاكل والأمنيات للشعب لاستنفدنا كل صفحات هذه المجلة مع الغلاف ولما استطعنا أن نحتوي كل الأمنيات. 

لكن الأمنيات ليست مادية في كل الأوقات فبعض الناس يريدون ويتمنون راحة البال، والبعض الآخر يتمنى لقاء أشخاص معينين، لكن في ظل حشد الأمنيات هذه، هناك أمنية واحدة يتشاركها أكثر من مليار ونصف مليار شخص في الأرض!! نعم يا سادة مليار ونصف مليار شخص على وجه الأرض يتمنون أمنية واحدة هي بالتأكيد على رأس لائحة الأماني عندهم. لكن قبل إيضاح الأمنية والبوح بها، ليسأل كل منا نفسه من هو أكثر شخص يحبه؟ من هو الشخص الذي نحن على استعداد أن نبذل الغالي والنفيس لزيارته والتسليم عليه؟ نعم يا سادة إنه أفضل الخلق وحبيب رب العالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فمن منا لا يشتهي أن يزوره ولو مرة واحدة في حياته؟ من منا لا يتمنى أن يراه في منامه؟ بأبي أنت وأمي يا رسول الله، طبت حيًّا وميتًا. لا نبيت ليلة في فراشنا إلا ونحن نتمنى أن نرى وجهه الشريف في المنام، كيف لا نتمنى هذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن رآني في المنام فسيراني في اليقظة” رواه البخاري، فالذي يراه في المنام لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته. وقد ورد بالإسناد المتصل أن رجلًا في عصر السلف بعد نحو مائة وخمسين سنة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى الحسن بن حيّ كان من المحدثين من العلماء وله أخوان مثله، هذا الحسن لما كان أخوه على فراش الموت سمعه يقول: مع النبيين والصديقين والشهداء وقرأ الآية ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)﴾ سورة النساء، فقال له: يا أخي تتلو تلاوة أم ماذا؟ قال: لا بل أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك إلي ويبشرني بالجنة.

ماذا لو كنا في زمانه؟

وفي هذه الأيام الصعبة التي نعيشها هناك أسئلة تجول في خواطر الكثير منا “ماذا لو عشنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم”؟، “ماذا لو عشنا مع الصحابة الكرام في الزمن الذهبي”؟، بل “من  منّا لا يتمنى التمتع برؤيتهم”؟. بالتأكيد السبب الرئيس لهذه الأسئلة هو عشقنا للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وأهل بيته الطاهرين. لكن ماذا كنا لنفعل حقيقة لو كنا في زمن النبي وأصحابه؟ هل كنا سنلتزم التزامًا تامًّا بتعاليمه وإرشاداته أم سيكون حالنا كما هو حال أغلبيتنا اليوم؟ فالواقع الذي لا نستطيع أن نتهرب منه -للأسف الشديد- هو أن أغلب الناس هذه الأيام لا يلتزمون التزامًا تامًّا بتعاليم الشرع وينسبون سبب فشلهم وإخفاقهم في ذلك إلى الزمن والظروف المحيطة التي نعيش فيها بدل السعي إلى إصلاح النفس وتهذيبها، فيظنون أن سبب تقصيرهم في الالتزام بأحكام الشرع هو الظروف المحيطة وانشغالات الدنيا وأنهم لو كانوا في زمن النبي والصحابة فإن همهم سيكون نصرة الدين فقط. ويغيب عن أذهاننا أن الصحابة الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان لديهم مشاغلهم وتجارتهم أيضًا لكنهم وضعوا نصرة الدين والالتزام بأحكام الشرع على رأس لائحة أولوياتهم.

هذا ما يميّزهم عنا، فغالبنا للأسف يضع مشاغل الدنيا على اللائحة قبل أمور الآخرة. فأين نحن من رجال كأبي بكر الذي كان لا يملك دمعه حين يقرأ القرءان، وكان أفضل الصحابة وأتقاهم. وأين نحن من عمر الفاروق رضي الله عنه الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: “رحم الله عمر يقولُ الحَقَّ وإن كان مُرًّا، تركَه الحَقُّ وما له صديق” رواه الترمذي، وأين نحن من عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي كانت تستحي منه الملائكة وأين نحن من علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أعلم الصحابة. أما غالب الناس هذه الأيام يبكيهم مشهد سينمائي أو خسارة الفريق الذي يشجعونه في لعبة كرة القدم.

والله مشتاقون

آه… والله إننا مشتاقون لك يا رسول الله أحببناك ولم نرك. كم أنت عظيم يا رسول الله كم أنت عظيم يا حبيب الله كم أنت عظيم أيها الرحمة المهداة، يا من ألّفت بين قلوب كثير من البشر. كيف يمكن لرجل أن يجعل مئات الملايين بل مليارات الناس عبر العصور يعشقونه ويشتاقون إليه من غير أن يروه أو أن يجتمعوا به؟

ليغمض كل واحد منا عينيه وليتفكر بينه وبين نفسه لو فتح عينيه ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامه ماذا كان ليقول له، والله إن هذا الموقف عظيم يعجز لساني عن وصفه. كيف بنا لو وقفنا أمام أعظم خلق الله، كيف بنا لو وقفنا أمام أجمل خلق الله. صلوات ربي وسلامه عليه. لا أتخيل نفسي سوى جاثيًا بل منبطحًا أقبل رجليه ونعليه وأتبرك بهما.

مجرد التفكير في هذا الموقف يفتح الباب أمام دموع الشوق. غوثاه يا رسول الله، والله إن الحال ضاقت على أمتك وتداعت علينا الأمم، كريمنا يُهان وسفيههم يكرَم، غُصبت الأوطان وشُرّدت أمم، ويُتِّم الأولاد ورُمّلت النساء، وهم في هناء يمرحون.

والله إن الحال ضاق علينا يا رسول الله ورؤية وجهك الكريم في المنام تجبر كسرنا وتصفو بها قلوبنا، رزقني الله وإياكم رؤية وجهه الكريم في المنام كل ليلة.

وقفة للحظة

وبعد كل ما قيل ينبغي أن نقف لحظة ونسأل أنفسنا، لماذا نتمنى أن نكون في زمن النبي؟ بالتأكيد لأننا نحبه ونشتاق إليه، لكن الكثير قد يقولون: “لكان حالنا اصطلح” ولكل من يقول هذا جوابه بكلمتين “ابدأ بنفسك وليكن شغلك إصلاح حالك خوفًا من الله لا من أحد غيره”. ليسأل كل واحد منا نفسه هل بدأت بنفسي؟ هل حاسبتُ نفسي اليوم عن كل فعل أو قول أو اعتقاد قمت به؟ هل أديتُ ما افترض الله علي؟ فتطبيق تعاليم النبي لا يكون فقط في عصره إنما على الإنسان أن يتبع تعاليم النبي سواء كان في حياته أم بعد مماته سواء كنا أمام قبره الشريف أم بعيدًا عنه سواء كنا في المدينة المنورة أم في أقصى شرق الصين.

وختامًا نقول صحيح أن الشعب يتمنى لو أنه كان في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن على الشعب أن ينظر في نفسه أولًا.█