إنه ذاك اليوم الحزين الذي فقدت فيه الدعوة الإسلامية الحقة رمزًا من رموزها، إنه ذاك اليوم الذي كحلت فيه لوعة الفراق عيون الأحباب، دموع تحكي قصة وفاء وولاء لا قصة ضعف وانهزام، إنه ذاك الخميس في الحادي والثلاثين من آب عام 1995حين وقعت الجريمة النكراء وحلت الـمصيبة ونعي للأمة الإسلامية رئيس جمعية الـمشاريع الخيرية الإسلامية سماحة الشيخ نزار الحلبي رحمه الله، نذكره وتخنق ذكراه كلماتنا بغصة مرة وتعصر قلوبنا بأسى وحرقة اشتياق لا تسعه الكلمات. اشتقنا لكم يا سيدي… 

لطلتك السمراء اشتقنا، لابتسامتك التي تدخل الفرحة إلى قلوبنا اشتقنا، لحنانك علينا اشتقنا، لنظرتك الحنونة اشتقنا، لصوتك الدافئ اشتقنا، لسؤالك عن كل واحد منا اشتقنا، لأفكارك ووعيك وحكمتك اشتقنا، لنصائحك وتوجيهاتك اشتقنا، لوطنيتك ودفاعك عن الوطن اشتقنا. أولادنا يا سيدي لا يعرفونك لكنك دخلت قلوبهم، عبر محبتنا بل عشقنا بل تتيمنا بك يا سيدي. نزار يا ابن بيروت، نزار يا شهيد بيروت، نزار يا تلميذ مدرسة أبي بكر الصديق وثانوية عمر ابن الخطاب نزار يا خريج الأزهر، نزار يا بحر العلوم، نزار يا تلميذ العبدري، نزار يا رجلًا بألف، اشتقنا لك.

الـمشاريعيون يسألون عنكم اليوم يا سيدي أكثر من أي يوم مـضـى. لـيـس الــمـشـاريـعـيـون وحدهم من يسأل عنك، بيروت كلها تسأل عنك بل لبنان كله يسأل عنكم يا سيدي، بل العالم أجمع يسأل عنكم وعن أمثالكم يا سيدي، سوريا تريد نزارًا الحلبي والجزائر تريد نزارًا الحلبي واليمن يريد نزارًا الحلبي ومصر وتونس والأردن والبلدان العربية أجمع تريد نزارًا الحلبي وما يمثله نزار الحلبي من اعتدال. طفل سوريا يا سيدي يذبح وتنشر صوره على التلفزيونات. أطفال بورما يحرقون أحياءً يا سيدي لا يجدون من ينصرهم، أطفال فلسطين كبروا منذ عهدك وصار عندهم أولاد يكررون مشاهد آبائهم لكن بتقنية HD. الأمة الإسلامية مُحارَبة يا سيدي ولا خلاص لها إلا بأمثالكم، أطفال تجوع وتيتم، مشاهد لم تعهدها الأعين تعودتها أعيننا لكثرة ما نراها، ذبح وتنكيل، تهجير وتدمير، وإراقة دماء والـمستهدف هم الـمسلمون. كل ذلك بفعل من حذرت منهم منذ أكثر من ثلاثين سنة.

نحن سمعنا كلامك يا سيدي ووعيناه وحفظناه وعملنا به وعلمناه لغيرنا “إلى كل مسؤول عن طفل وطفلة، وإلى كل مسؤول عن مدرسة وثانوية، وإلى كل مسؤول عن مسجد أو ما يسمى تكية، وإلى كل مسؤول عن مؤسسة أو وزارة رسمية، إن لم تضعوا حدًّا للتطرف فلقد قيل لا يحارب التطرف في لبنان إلا جمعية الـمشاريع الخيرية الإسلامية. أما الباقون فساكتون” واللهِ حذّر وحذّر وحذّر من خطر التطرف، حتى استشهد.  

وقفت وحيدًا في وجه التطرف، لنصرة الحق والاعتدال ومحاربة الباطل، عندما كان التطرف والغلو من أخطر ما يواجهه الوطن والأمة الإسلامية، كنت سدًا منيعًا لا تخاف في الله لومة لائم، وفي كلماتك البرهان والدليل، جاهدت بلسانك وقلمك، يدعمك إخوانك وأحبابك وأنصارك في جمعية الـمشاريع الخيرية الإسلامية، التي وقفت وحيدةً برئاستك في ساحة الـمعركة ضد الإرهاب الذي أصبحنا نرى نتائجه وأفعاله في بلداننا وفي بيوتنا وأحيائنا.  

أسماء متعددة والهدف واحد: هدم الدعوة الحقة وإعاثة الفساد. تغلغلوا بيننا يا سيدي مثل الحشرات حتى صرنا لا نقدر على الإحاطة بأسمائهم. حذرت منهم بأسمائهم واسم شيخهم الـمبتدع فنوَّعوا الأسماء وفرقوا جماعاتهم إلى فرق عديدة ليدلّسوا على الناس بعد أن فضحتهم. كلهم حذرت منهم يا سيدي وحدك أعليت صوتك بوجههم فأسكتوا الصوت برصاصات حقدهم لكن هيهات هيهات أن يسكتوا النهج.

رحمك الله يا من فضحت أعداء الدين وبيّنت زيغهم، رحمك الله يا من كان همّك الأول والأخير حماية أولاد الـمسلمين من الأفكار الـمتطرفة، رحمك الله يا من كنت تسأل عن الفقير والغني، والقريب والبعيد، رحمك الله يا رمز الاعتدال والعمل الإسلامي. رحمك الله يا خادم الـمشاريع ورئيسها، رحمك الله يا قائد الـمسيرة الحقة، رحمك الله يا من بكتك بيروت بأسرها، رحمك الله يا شيخي نزار.

تلألئي يا باشورة بيروت بالـمجاهد في سبيل الله الذي أضحى نزيلك. ابكي يا بيروت عليه فلأجل هكذا رجال تبكي الرجال ولمثل هؤلاء الشهداء يتنهد الرجال، لكن عزاءك يا بيروت أن النهج باقٍ وإن ذهب الجسد، فالنهج باق في النفوس والقلوب، ولن ترتاح نفوسنا ولن يبرد قلبنا حتى نتأكد أن الإجرام اندحر وأن أعداء الدين قد زالوا، وامسحي دموعك يا بيروت فالقائد يترك قادةً وراءه، وقائدنا الشيخ نزار ترك خَلَف خيرٍ لسلفِ خير ترك لكِ الحسام، وأوصاه بك وأوصاه قبل يوم من الرحيل بإكمال الـمسيرة. █