الاختلاف بين الأحباب لا يذهب الود بينهما… قد تريد شيئًا ويريد صاحبك شيئًا آخر… وكل منكما يرى المصلحة فيما يريد. أحسن الاستماع لصاحبك… لعل رأيه فيه الصواب…
أحيانًا تكون الدموع التي تراها في عيون حبيبك أقصر طريق لإنهاء الحوار… وقد تكون أحيانًا سببًا لنسف كل الحوار… فالبعض لا يعتقد بصدق تلك الدموع ولا يقيم لها وزنًا… ويمضي في جداله ودفاعه عن رأيه دون أن ينظر في حال رفيقه واحتمال أن يكون رأيه هو الأفضل…
كان أحد الصالحين يردد دائمًا: “لا تعينوا الشيطان على أخيكم ولكن أعينوه على شيطانه”. وهذا يكون بحسن التخاطب مع الطرف الآخر وعدم الاستعلاء عليه… بعض الكلمات قد تثير صاحبك، فيتمسك برأيه رغم يقينه أنه ليس صوابًا، فقط لأنك خاطبته بلهجة غير طيبة… احرص على مصلحة صاحبك وكلّمه بطريقة حسنة. ابذل له النصح بطريقة تشعره أنك حريص عليه وتحبه وتخاف على آخرته.
أعرف شخصًا أنهى دراسته الجامعية واستلم وظيفة مهمة في إحدى المؤسسات… نصحته أمه بالزواج من ابنة أختها لأنها فقيرة ولكنها تتميّز بأخلاق حسنة، قالت له بأن زواجه منها فيه إحسان لها وأن ابنة خالته ستكون نِعْم الزوجة له لأنها تعرف حُسن أخلاقها وحُسن تدبيرها للأمور. تمنّع صاحبي في البداية لأن قريبته لم تحصل من التعليم قدرًا كبيرًا، فقد تركت المدرسة في المرحلة الابتدائية بسبب وضع أهلها المالي. كما ذكر أنه لا يشعر نحوها بأي حب، فكيف سيبني معها حياة سعيدة؟ أصرّت الأم على رأيها، وقالت له أن يخطبها ولعل تعرّفه عليها أكثر وسماع كلامها يقرب القلوب ويحصل المطلوب. وبالفعل تقدم أحمد لخطبة ليلى، وتم الأمر وتزوجا… لكن أحمد لم يكن يعامل ليلى كما ينبغي أن يعامل الزوج زوجته… لم يكن يهتم لرأيها ولم يستفد من نصحها. في نفسه كان يقول ماذا تفهم تلك المرأة من أمور الحياة؟ هي تنفع فقط في أمور المطبخ ولا شأن لها بما دون ذلك!
وبعد مرور سنوات عدة… أراد أحمد أن يترك وظيفته وأن يؤسس لنفسه عملًا مستقلًا لكن كان ينقصه رأس المال لمشروعه. وإذ بزوجته تأتي إليه بما يكفي من المال ليبدأ بمشروعه… كانت الزوجة الطيبة تدخر من مصروف البيت ومن مصروفها الخاص ما يكفي لمثل هذه النقلة. دمعت عينا أحمد من تصرف زوجته المخلصة، وشعر بمدى تقصيره تجاه تلك الإنسانة الطيبة.
بعض الناس يستخفّون بالآخرين، لا يهتمون بأفكارهم. يظنون أن رأيهم هو الصواب وأنهم يعرفون كيف يفكرون بينما الآخر تفكيره قاصر. يروى أن الإمام الشافعي قال: “ما ناظرت أحدًا إلا ولم أبال بيّن الله الحق على لساني أو لسانه”.
علينا أن نتعلم حسن التخاطب مع الآخرين… أن نتعلم عدم استفزاز الآخر حين مناقشته… أن تكون نيتنا خالصة لله، نكلمه بتواضع… لا نتكبر عليه… نترك حب الظهور الذي يقصم الظهور… الكلمة الطيبة تكون أحيانًا أقوى من السيف في حصول المطلوب.
أخبرني أحد أصدقائي أنه يعمل في مؤسسة مشهورة، وأن مدير الشركة رجل قاسٍ جدًا… يعامل الموظفين باستعلاء وتكبر. مرة قال لهم وكان جادًا فيما يقول: غدًا سأضع الصورة الجماعية التي تضم كل الموظفين على باب الشركة، وسأضع دائرة حول وجه الموظف الذي سأستغني عن خدماته. هنا ثار أحد الموظفين واعترض على هذه الطريقة فكان صاحبنا أول المطرودين…
عاملوا الناس كما تحبون أن تعاملوا… إن أحسنت فهذا خير واشكر الله على فضله… وإن أخطأت في رأي أو تصرف تراجع عن غلطك… ففي التراجع عن الغلط فضيلة… لا تشمت بالناس إن غلطوا بل أعنهم على إصلاح أغلاطهم بالكلمة الطيبة والتصرف الحسن… لا تستعمل ألفاظًا بذيئة حين تحاور الآخرين… هذا لا يخدم موقفك بل يضعفه… حافظ على هدوء أعصابك… لا تغضب… فالغضب يجر أحيانًا إلى ما لا تحمد عقباه… وتذكر دائمًا… أن تكون على حق، لا يشترط له أن يكون صوتك مرتفعًا…
إن اختلفت مع أخيك في الرأي، تذكر أن أخاك لعل له هدفًا طيبًا مثلك… حاول أن تصل معه إلى ما تحبان من الخير بحسن الاستماع… بالتواضع… وإخلاص النية لله…█