الحمد لله رب العالمين، الذي بعث رسوله للناس كافة بالحق وإمامٍ مبين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وقائد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين. 

أما بعد فإن من شروط صحة الصلاة الطهارة من الحدث الأكبر بالغسل أو التيمم لمن عجز عن الغسل، والذي يوجب الغسل خمسة أشياء: خروج المني، والجماع، والحيض، والنفاس، والولادة.  

فروض الغسل

وفروض الغسل اثنان:  

الأول: النية فينوي رفع الحدث الأكبر بقلبه أو ينوي فرض الغسل أو ينوي الغسل الواجب أو ما يقوم مقام ذلك كاستباحة الصلاة أو الطواف بالكعبة. ويجب قرن النية القلبية بأول مغسول فلو غسل بعض جسمه بدون هذه النية ثم نوى في أثناء الغسل وجب إعادة ما غسل قبل النية.

والثاني: تعميم جميع البدن أي ظاهره بالماء، فيجب تعميم البَشَر أي الجلد والشعر ظاهره وباطنه، ويجب إيصال الماء إلى ما يظهر من الصماخ أي خَرق الأذن والأنف لا باطن فم وأنف فإن ذلك لا يجب. ومما يجب إيصال الماء إليه في الغسل ما يظهر من السرة، وأيضًا الثقب الذي تفعله النساء في آذانهن لوضع الحلق.

سُنن الغسل

ومن سُنن الغسل:  

–  التسمية فلو تركها عمدًا كره الغسل وكذا لو تركها في الوضوء.

– غسل الكفين والوضوء قبل الغسل.

–  التقليل من الماء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بقدر صاع وهو أربعة أمداد كما رواه الطبراني، واغتسل بأكثر من ذلك كما رواه الإمام مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بخمسة مكاكيك، والمكوك فُسِّر بصاع ونصف كما ذكره شارح القاموس الزبيدي. ولا يكره إلا ما وصل إلى حد الإسراف، وعلى قول يحرم الإسراف.

– ويُسن أن يقول مَنْ يغتسل عاريًا عند نزع ثيابه: “بسم الله الذي لا إله إلا هو” لأنه سترٌ عن أعين الجن.

– ويُسن قبل صب الماء تخليل الشعر ثلاثًا بيده المبلولة بأن يدخل أصابعه العشرة في الماء ثم في شعره ولو كان مُـحرِمًا لكن برفق حتى لا ينتف شيئًا من شعره، ثم يفيض الماء على رأسه ثم شقه الأيمن ما أقبل منه ثم ما أدبر منه ثم على شقه الأيسر ما أقبل منه ثم ما أدبر منه، ويسن أن يكون كل ذلك ثلاثًا، وإمرار اليد كل مرة.

– ويُسن أن تُتْبِع المرأة التي تغتسل من الحيض أو النفاس حالة كونها غير معتدة للوفاة ومُحرِمةً بحج أو عمرة أثرَ الدم بنحو مسك.  

فينبغي الاعتناء بالطهارتين الوضوء والغُسْل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “الطُّهور شطر الإيمان” رواه مسلم، أي نصف الإيمان. ولا يتقن صلاته من لا يتقن طهارته أي من لا يؤدي طهارته على الوجه التام لا يكون مؤديًا صلاته على التمام بل لا بد من أمور تنقصه قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾ سورة البقرة، قال ربيعة الرأي رضي الله عنه: “من أراد الله به خيرًا يسَّر له أمور طهارته”، ومعناه ينهي وضوءه وغسله بلا وسوسة، هذا علامة خير.

ويجب التحذير من بعض الفتاوى الباطلة التي تخالف الدين، ومن هذه الفتاوى، ما يقوله بعض الناس عن الذي يخرُج من البيت وهو جنُبٌ أن الملائكة تلعنه أو أن كلّ شَعرةٍ في جسمه تَلعَنُه، والعياذ بالله، فإن المؤمن لا ينجس بالجنابة. ومما يدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب فأخذ بيدي فمشيتُ معه حتى قعد فانسللت فأتيتُ الرحل فاغتسلت ثم جئت وهو قاعد فقال: “أين كنتَ يا أبا هِر“؟ فقلت له، فقال: “سبحان الله يا أبا هِر إن المؤمنَ لا ينجُس“، معناه أن الرجل المسلم لا يكون بسبب الجنابة نجسًا.

وأحد الصحابة كان يُسَمّى حَنظَلة، قتله الكفار في المعركة، فأخَذَهُ الملائكةُ وغَسّلُوه إكرامًا له، ولُقِّب بـ”غسيل الملائكة”، لأنه كان يومَ أحد جنبًا، وقد غَسَل أحد شِقي رأسه، فلما سمع الهيعة خرج فاستشهد، روى ابن حبان في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنّ صاحبَكم حنظلة تُغسِّله الملائكة، فسَلُوا صاحبته” أي زوجته، فسألوها فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهائعة -الصوت الذي تفزع منه وتخافه من عدو- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فذاك قد غسلته الملائكة“، وفي رواية البيهقي: “لذلك غسلته الملائكة“.

الأغسال المسنونة

ومن الأغسال المسنونة:

أفضل لأنه أبلغ في المقصود من انتفاء الرائحة الكريهة، ويكره تركه بلا عذر على الأصح. روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: “من جاء منكم الجمعة فليغتسل“، وروى الترمذي عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن توضأ يومَ الجمعة فبِهَا ونِعْمَتْ ومن اغتسلَ فالغُسلُ أفضل“.

– غسل العيدين أي عيد الفطر وعيد الأضحى وهو سنة لكل أحد سواء أراد حضور الصلاة أم لا، وسواء كان بالغًا أم صبيًا وذلك لأنه يراد للزينة، ويدخل وقته بنصف الليل والأفضل فعله بعد الفجر، ويخرج وقته بغروب شمس يوم العيد. روى البيهقي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى.  

– الـغُسْـل عند الإحرام ولدخول مكة وللوقوف بعرفة ولرمي الجمار الثلاث وللطواف.  

– الـغُـسْـل لصلاة الكـسـوف أي لكسوف الـشـمـس والـقـمـر وصلاة الاستسقاء.  

وقد بقيت أغسال أخرى مسنونة منها الغسل من الحجامة وللاعتكاف في المسجد ولدخول المدينة المنورة ولتغيّر رائحة البدن وعند كل اجتماع من مجامع الخير.

والله تعالى أعلم وأحكم.█