كان قارون من بني إسرائيل وهو ابن عم سيدنا موسى عليه السلام، وقد رزقه الله تعالى سعةً في الرزق، وكثرةً في الأموال حتى فاضت بها خزائنه، واكتظت صناديقه بما حوته منها، حيث ثقل حمل مفاتيحها على مجموعة من الرجال الأقوياء، وكان يعيش بين قومه عيشة الترف، فكان يلبس الملابس الفاخرة ولا يخرج إلا في زينته، ويسكن القصور، ويختار لنفسه الخدم والعبيد، ويستمتع بملذات الدنيا الفانية.
لكن قارون لم يكن عبدًا شكورًا، فبدلًا من أن يطيع الله، أخذ يغتر بنفسه ويتكبر على قومه ويفتخر بكثرة ما آتاه الله تعالى من الأموال والكنوز، فنصحه النصحاء من قومه ووعظوه ونهوه عن فساده وبغيه ولكنه أجابهم جواب مغتر مفتونٍ مستكبرٍ مدّعيًا أنه لا يحتاج إلى نصائحهم لأنه اكتسب ماله بعلمه وفضله معتقدًا على زعمه أن الله يحبه ولذلك أعطاه المال الكثير.
ويُروى أنه عندما أنزلت فرضية الزكاة على سيدنا موسى عليه السلام أخبر قومه بما يجب عليهم وقال لقارون مذكرًا إياه بتقوى الله وحقه عليه: إن على كل ألف دينار دينارًا، وعلى كل ألف درهم درهمًا، فحسب قارون ما يترتب عليه من زكاةٍ فاستكثره، فشحت به نفسه فكفر بما جاء به موسى عليه السلام.
ثم جمع قارون بعض من يثق بهم من أتباعه وقال لهم: إن موسى أمركم بكل شىء فأطعتموه، وهو الآن يريد أخذ أموالكم، فقالوا له: مُرنا بما شئت. فقال: آمركم أن تحضروا “سبرتا” البغيّ فتجعلوا لها أجرةً على أن تزعم أن موسى فجر بها، والعياذ بالله تعالى، ففعلوا ذلك وأرسلوا لها طستًا من ذهبٍ مملوءًا قطعًا ذهبية.
فلما كان يوم عيد لهم أتى قارون لعنه الله إلى سيدنا موسى عليه السلام متظاهرًا بالود فقال له: إن قومك قد اجتمعوا لك لتأمرهم وتنهاهم، فخرج إليهم نبي الله موسى عليه السلام فقال لهم: مَنْ سَرقَ قطعنا يده، ومن زنى وهو غير متزوج جلدناه، وإن تزوج وزنى رجمناه حتى يموت.
فقال له قارون: وإن كنت أنت؟
قال موسى: أعوذ بالله منك، إنني لا أقرب هذه الفواحش.
فقال له قارون: إن بني إسرائيل يزعمون أنك فَجَرْت بسبرتا، فقال عليه السلام: ادعوها، فلما جاءت استحلفها موسى عليه السلام بالله الذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق، فتداركها الله تعالى برحمته فتابت وتبرأتْ مما نسبوا إلى موسى وقالت: كذبوا، بل جعل لي قارون أجرةً على أن أتهمك بالزنى، فسجد موسى عليه السلام ودعا الله على من ظلمه فأوحى الله تعالى إليه أن مُر الأرض بما شئت فإنها مطيعةٌ لك.
وقيل: خرج قارون كعادته في موكب كبيرٍ يضم آلاف الخدم والحشم وقد تزيّنت ثيابهم بالذهب والجواهر وركبوا على بغالهم وأفراسهم وهو يتقدمهم على بغلةٍ شهباء مزيّنة وقد ارتدى أجمل ثيابه وأفخرها مزهوًا بنفسه متطاولًا، والناس على الجانبين ينظرون إليه بدهشةٍ، ومنهم من اغتر به فقال: إن قارون لذو حظٍ عظيم، ومالٍ وجاه.
فلما سمعهم بعض الصالحين من قومهم نصحوهم أن لا يغتروا بزهرة الدنيا فإنها غرارة.
وقيل: إن قارون مرّ في مسيره على مجلسٍ لسيدنا موسى عليه السلام فأوقف الموكب وخاطبه قائلًا: يا موسى أما لئن كنتَ فُضّلتَ عليّ بالنبوة، فلقد فُضلتُ عليك بالمال، ولئن شئتَ فاخرج فادع عليّ وأدعو عليك، فخرج سيدنا موسى عليه السلام ثابت القلب متوكلًا على ربه سبحانه وتعالى، وبدأ قارون بالدعاء فلم يُستجبْ له، ودعا سيدنا موسى وقال: اللهم مُر الأرض فلتطعني اليوم، فاستجاب الله له، فقال موسى: يا أرض خذيهم، فأخذت الأرض قارون الملعون ومن معه من أتباعه الخبثاء إلى أقدامهم ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى رُكَبِهم ثم إلى مَنَاكبهم ثم قال: أقبلي بكنوزه وأمواله، فاهتزت الأرض تحت داره وما فيها من أموال، ثم أشار موسى عليه السلام بيده فقال: يا أرض خذيهم فابتلعتهم جميعًا.
ولما حلّ بقارون ما حلَّ من خسف الأرض وذهاب الأموال وخراب الدار وخسفها، ندم مَنْ كان تمنّى مثل ما أوتي وشكروا الله تعالى الذي لم يجعلهم كقارون طغاةً متجبرين متكبرين فيخسف بهم الأرض.
والله تعالى أعلم وأحكم.█