قد لا تعني كلمة “عصا” لأغلب الناس أكثر من مجرد عود خشبي، يتكئ عليه رجل كبير في السن، أو يستعملها شخص أعمى لتكون دليلا له في مسيره. لكنه وعلى مر العصور كانت العصا من أكثر الأدوات استعمالا في مختلف الحالات، في السلم والحرب، في الفقر والرخاء، وفي غير ذلك من الحالات، كلٌّ يستعملها بحسب حاله.
وقد يظن الكثير من الناس أن العصا هي أداة قديمة لا يستعملها إلا أهل الريف والقرى والمزارعون والرعاة، وأن أهل المدن لا يحتاجون هذه الأداة التي يعتبرها الكثير من الناس أداة بدائية، لكنه يخفى عليهم أن العصا كان لها نصيب من التقدم والتطور التكنولوجي. وفي هذا التحقيق ستتمكنون من إلقاء نظرة وجيزة على العصا وتاريخها واستعمالاتها المتنوعة.
استعمالات العصا
إن استعمالات العصا أكثر من أن تحصر في مقال واحد أو في كتاب، لأن استعمالات العصا لا تختلف فقط بحسب حالة الإنسان لكنها تختلف أيضًا بحسب عمره، ففي الصغر يستعملها الأولاد للعب، فقد يستعملونها كقصبة لتحديد محطات السباق عندما يتسابقون، وقد يثبتونها في الأرض لرمي الأطواق عليها وغير ذلك من الألعاب.
أما في مرحلة الشباب فيستعملها البعض لإظهار القوة والهيبة، وبعضهم قد يستعملها كسلاح خاصة أن هناك أنواعًا من العصي تحوي في داخلها على أسلحة خفية، كأن تحتوي على سيخ حديدي مدبب يمكن استخدامه كسلاح عند الحاجة، أو قد يكون للعصا فوهة بندقية مخفاة. وأما في مرحلة الكبر فإن الاستعمال الأكثر شهرة هو الاتكاء على العصا في السير وعند القيام، كذلك تستعمل لإعانة الأشخاص الذين فقدوا إحدى أرجلهم على السير. وغير ذلك من الاستعمالات المتنوعة كالمشي على الجليد، وحمل شىء ثقيل بين كشافين، ولدفع القارب في البحيرات والأنهار، ويمكن استعمالها أيضًا لرفع علم عليها، كما نستفيد منها أيضًا لنصب خيمة عليها.
كذلك نرى للعصا ظهورًا كبيرًا ودورًا مهمًّا في كثير من أنواع الرياضة كـ “Baseball” أو كرة القاعدة والهوكي، والوثب بالعصا، والوثب فوق الحواجز، وغيرها الكثير من أنواع الرياضة وكل منها له عصا خاصة ذات شكل معين يتناسب مع قوانين اللعبة.
وهناك الكثير من الاستعمالات المتنوعة التي يشترك في استعمالها جميع أنواع وأصناف الناس من مختلف الطبقات في مختلف أحوالهم.
عصي وشخصيات
لا يخفى على أحد أن من أهم العصي في التاريخ هي عصا سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، وكان يتوكأ عليها ويخبط بها على أغصان الشجر لتتساقط أوراقها ويسهل على غنمه أكلها، ومرة تحوّلت هذه العصا بقدرة الله تعالى إلى ثعبان كبير وكان متسع فمها أربعين ذراعًا فابتلعت كل ما كان في طريقها من صخور وأشجار. وهذا الأمر ليس سحرًا إنما هو معجزة لأن السحر يعارض بالمثل أما المعجزة فلا تعارض بالمثل. ومن المعجزات التي حصلت بهذه العصا أيضًا معجزة انفلاق البحر، وغير ذلك من المعجزات.
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له عصًا معوجة الطرف، وأن سيدنا سليمان عليه السلام اتخذ عصا لخطبته وموعظته.
ومن العصي المشهورة أيضًا عصا توت عنخ آمون الملك المصري القديم والذي كان يملك عصًا طويلة مزخرفة بأنواع شتى من الزخارف والمجوهرات والتي دفنت معه عندما مات، وممن اشتهر أيضًا بحمل العصا نابليون بونابرت قائد الثورة الفرنسية، كذلك الملك فاروق اشتهر بحمل عصًا كان يتكئ عليها. وهناك الكثير من الشخصيات المشهورة التي كانت العصا رفيقة دربها.
صناعة العصي
وتنتشر مصانع العصي في مختلف أنحاء العالم وقد تفنن صناع العصي في إنتاج أنواع مختلفة من العصي الخاصة بالمشي لكبار السن أو لعشاق وهواة جمع العصي وقد تجد عصيًّا من الخيزران وعصيًّا من الخشب الهندي أو الإفريقي بعضها منحوت يدويًّا يحمل أشكالًا ورسومًا مختلفة، فيحتار الشخص في اختيار العصا المناسبة وسط هذا الكم الهائل من العصي، فبعضها يحمل منحوتات للطيور والبهائم وبعضها نحت عليه رؤوس نساء أو أطفال، وبعض المصانع قد تصنع لك وخلال أيام عصاك الفريدة التي تحمل ما تريده من أشكال أو رسوم أو كلمات أو يضعون لك فيها بوصلة أو ساعة منبهة أو حتى جرس إنذار من الأخطار، ومن أشهر هذه العصي العصا البيضاء للمكفوفين، أو العصا التي تتحول إلى كرسي تجلس عليه عندما تتعب من المشي.
ومتاحف العالم زاخرة بأنواع عديدة من العصي التي استخدمها القادة والساسة والمشاهير والتي تعتبر كنوزًا نظرًا لنوعيتها ولما تحمله من قيمة مالية كبيرة نظرًا لما تحمله من مجوهرات مثل عصي الفراعنة وملوك الرومان ومهراجات الهند وسلاطين الدولة العثمانية.
العصا في القرن الحادي والعشرين
لم يترك القرن الحادي والعشرين ولا التطور التكنولوجي العصا “بحالها”، شأنها شأن الكثير من الأدوات القديمة التي أضفت التكنولوجيا لمستها الخاصة عليها فحولتها من أدوات بدائية كما يُسميها بعض الناس إلى أدوات متطورة تساعد الإنسان في القيام بأعماله ومهماته اليومية.
مثال ذلك ما جرى في معرض إنتل للعلوم والهندسة المنعقد في مدينة سان جوزيه بولاية كاليفورنيا الأمريكية، حيث استطاعت ثلاث فتيات فلسطينيات التفوق بابتكارهن العصا الإلكترونية على ألف وخمسمائة متسابق ومتسابقة من مختلف أنحاء الأرض.
فهؤلاء الفتيات الثلاث على الرغم من سنوات عمرهن التي لم تتجاوز الأربعة عشر ربيعًا من مدرسة بنات عسكر الأساسية الأولى بمخيم عسكر بمدينة نابلس خرجن بابتكارهنّ العصا الإلكترونية ليدخلنَّ التاريخ العلمي كونهنّ أول فلسطينيات يفزن بجائزة خاصة في الإلكترونيات التطبيقية خلال المسابقة الدولية للعلماء الشباب من بين 1500 متسابق ومتسابقة من 56 دولة نتيجة لتميّز ابتكارهنّ “عصا التحسس الإلكترونية” التي تقوم بمهمة إرسال إشارات لمستخدميها ممن يعانون فقدان البصر بالأشعة تحت الحمراء للأسفل والأمام أيضًا.
إن تميّز الاختراع ونوعيته كانت بحسب رئيس الجمعية الفيدرالية الأمريكية لفاقدي البصر مارك أوسلان في أن عصا الفتيات الثلاث عالجت خللًا في النماذج السابقة حيث تتمكن من اكتشاف الثقوب والحفر الموجودة في الأرض عن طريق الاستشعار عن بعد، على حد تعبيره.
إن العصا الإلكترونية تستخدم الأشعة تحت الحمراء لاستشعار تضاريس الطرق من جميع الاتجاهات ومن ثمّ إرسالها عبر تنبيهات صوتية يتمكن الكفيف من حل شفرتها ورموزها لتجنب الاصطدام أو الوقوع في الحفر.
ومن الغرائب التي حصلت بعد تدخل التكنولوجيا في العصا هي “العصا السخان” حيث ابتكر فريق من الباحثين عصا إلكترونية تعمل على المحافظة على سخونة المشروبات لفترة طويلة، بحيث تعمل تلك العصا على تسخينها بشكل مستمر، وهذه العصا مفيدة لمن يفضل تناول مشروباته الساخنة أثناء الدراسة أو أثناء العمل على الحاسوب حيث قد ينشغل لبعض الوقت، فيبرد مشروبه المفضل. هذه العصا الإلكترونية تحتوي على سخان كهربائي صغير، ويتم تزويدها بالطاقة من خلال شاحن خاص يقوم بشحن بطاريتها بالطاقة الكهربائية، وهي ذات فائدة كبيرة فإنها تقوم بتسخين مشروباتنا التي تبرد بشكل سريع خصوصًا في فصل الشتاء.
لكن غرابة “العصا السخان” لا تضاهي غرابة “عصا القهوة” ولعله من أكثر الطرق الثورية لصنع القهوة هو استعمال العصا! هذه العصا هي عبارة عن ملعقة محملة بالنكهة المفضلة. وما عليك سوى أن تنزع الغلاف البلاستيكي عن العصا، وأن تضع العصا في المياه الساخنة وأن تحركها قليلًا من وقت لآخر على شكل دوامات، فيصبح أمامك فنجان من القهوة الساخنة على استعداد لكي تتلذذ به. قام المصمم “ايم جيونغ هيو” بتصميم هذه الفكرة. ربما هذه الفكرة مناسبة للكسالى الذين يحبون كل شىء جاهز دون أي جهد يبذلونه.
لكن العصا الأكثر شهرة في أيامنا الحالية وبدون منازع هي “عصا السيلفي”. ولا يخفى على أحد مدى انتشار هذا النوع من العصي هذه الأيام ومدى تأثيرها على حياتنا. وقد تطورت هذه العصا مع الأيام حتى أُدخِلت عليها زيادات وتطويرات فأصبحت مجهزة بضوء “Flash” لتحسين الصورة خاصة عند التصوير ليلًا والأغرب من الضوء هو المراوح التي تعطي انطباعًا بهبوب الريح أثناء التصوير فصارت عصا السيلفي عبارة عن استديو تصوير متنقل.
ثم تلك الصور تصبح فيما بعد مادة دسمة على مواقع التواصل الاجتماعي وتبدأ الإعجابات والتعليقات تنهمر ويستغرب كيف يتنافس بعض الأصدقاء فيما بينهم من يجمع إعجابات وتعليقات أكثر من الآخر متناسين في غالب الأحيان أننا لم نوجد في هذه الدنيا لهذا السبب وليس هذا التنافس الذي نحن مطالبون به، والحري بنا أن يكون تنافسنا في فعل الخيرات.█