من قلبي كأمّ إلى قلب كل أمّ وأب، جدّ وجدّة وإلى قلب كلّ شخص يحبّ طفلًا ويخاف عليه… اخترت هذا الموضوع ليس عن عبث، ولكن لكثرة ما أرى أطفالًا يحملون أكياسًا مليئة بما يسميه البعض “بالشبروقة”، في كيس واحد تجد كيس تشيبس، شوكولا، حلوى “Bonbon”، عصيرًا، بسكويتًا!!! وإذا سألت عن سبب ذلك تجيب الأم: “حتى يلتهي عني بدي إشتغل” أو “بدي نضف” أو “بدي حضّر”… أما الأب أو الخالة أو العم فيُجيبون: “بحب شوفو مبسوط” أما الأقرباء: “ما إلنا عين نفوت إيدنا فاضية عند الأولاد…” كم يُحزنني أن أرى عربات السوبر ماركت مليئة بعُلب الكيك والبسكويت والحليب الـمُحلّى، يشتريها الأهل شهريًا ليُرسلوها مع الأولاد إلى المدرسة، وكأنما التفاح والموز والفاكهة الموسمية انقرضت، وكأنما اللّوز والجوز والفستق ما عاد موجودًا في الأسواق…
هل تعلم أن المستفيد الأول والأخير من تقديم “الشبروقة” لطفلك هم أصحاب المصانع الذين يصنعون ويروّجون لهذه المنتجات المصنعة غير الطبيعية؟؟ لأنهم يعبّئون جيوبهم بالأموال الطائلة جرّاء شراء الأولاد “الشبروقة” بشكل يومي ومتكرر خلال اليوم الواحد!!!!
اعلم عزيزي القارئ أنّ هذه المنتجات فقيرة جدًا بالغذاء وعالية جدًا بالسعرات الحرارية والمواد الكيماوية والمصنّعة التي لا يعرفها جسم ولدك، وفي كثير من الأحيان يعجز جسمه الصغير عن التخلص منها، فتتراكم في دماغه وكبده وغيرها من الأعضاء مسبّبة أنواعًا كثيرة من المشاكل الصحية والعصبية والنفسية والتعلّمية أولها السمنة التي يتبعها أمراض متعددة…
هل نظرتم إلى عناصر العلبة أو كيس البطاطا أو البسكويت؟ كَمٌّ هائل من المواد! ألم تتساءلوا لمَ كل هذه المواد؟
دعونا نستعرض معًا ماذا تحتوي هذه المنتجات.
في المرتبة الأولى، صُمّمت الشبروقة -تشيبس وغيرها من المنتجات المالحة- لجعل الأولاد خاصة والمستهلك عمومًا يأكلون منها أكثر فأكثر. كيف؟
تحتوي هذه المنتجات على مواد محفّزة للشهية بحيث لا يشعر الطفل بالشبع حتى ولو أكل الكثير، بل يحسّ بالرغبة في المزيد والمزيد. ومن هذه
المحفّزات غلوتامات أحادي الصوديوم “Monosodium Glutamate” أو .E621 الغلوتامات أحادي الصوديوم هي مادّة كيميائيّة مصنّعة تضاف إلى المأكولات والمنتجات الغذائيّة الـمُملّحة لتحسين الطعم أو زيادة حدّة الطعم الذي يكون قد تأثّر بفعل الحرارة، أو لتغطية تأثّر الطَّعم بفعل مرور الوقت لوَهم المستهلك أن المنتج جديد. أمّا أبرز الأخطار الناتجة عن الـ E621 فأبرزها متعلقة بالجهاز العصبي كفقدان الإحساس ببعض المناطق في الجسم مثل أسفل العنق والظهر واليدين كما أنه يكبح الشعور بالشبع مما يسبب زيادة في الوزن. يكثر وجود هذه المادة في الوجبات السريعة، في التشيبس، البسكويت المملح وغيره كثير.
أما في المرتبة الثانية، فوجود السكر المكرر والمعالج بكميات هائلة في المنتج الواحد. فقد أثبتت الدراسات أن استهلاك السكر المكرر والمعالج والإفراط في تناوله بشكل مستمر يؤدّي إلى التعوّد والرّغبة الملحّة في تناول الحلويات وخاصة الشوكولا وهذا أمر صار مألوفًا بين الأولاد بالتأكيد! أول ما يتبادر إلى أذهاننا عندما نسمع كلمة سكر هو تسوّس الأسنان عند الأطفال. كثيرًا ما نرى أطفالًا يعانون من تسوّس حاد في أسنانهم نتيجة لكثرة تناول الحلويات والسكاكر مثل البونبون “Bonbon” وخاصة ما يعلق منه على الأسنان. ويأتي دور السّكر المكرر في تحفيز زيادة الوزن وهي معضلة صرنا نعانيها مع الأطفال بشكل ملحوظ وهي بارتفاع مستمر وقد ينتج عنها أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم. والجدير بالذكر أن الاستهلاك المفرط للمنتجات العالية بالسكر المكرر له ارتباط مباشر بإضعاف الجهاز المناعي.
ثم نأتي على ذكر عنصر خطر جدًا وهي الزيوت المهدرجة “Hydrogenated Oils” والزيوت المهدرجة جزئيًا “Partially Hydrogenated Oils” التي تدخل ضمن صناعة الكثير من المنتجات وخاصة الشبروقة لثلاثة أسباب مهمة بالنسبة لأصحاب المصانع وهي كونها زهيدة الثمن ولصلاحيتها الطويلة وللأرباح المادية التي تعود عليهم. هذه الدهون غريبة عن فيزيولوجيا الجسم وليست طبيعية بل مصنعة ولها تأثير مضر على الأوعية الدموية وعلى الجهاز المناعي وغيره كثير. الزيوت المهدرجة هي في المبدأ زيوت نباتية مثل زيت الذرة ثم يضاف إليه ذرات الهيدروجين تحت حرارة مرتفعة “120- 210 درجة مئوية”. وهذا النوع من الدهون يتولّد منه أحماض أمينية خطرة هي “Trans Fatty Acid” وقد ذكر بعض الباحثين والأطباء أنها من مسبّبات السرطان والسكري وانسداد الشرايين وغيرها من المشاكل الصحيّة. الزيوت المهدرجة صارت موجودة بكثرة في التشبيس، الشوكولا والبسكويت والوايفر والكيك.
ثم ننتقل إلى المواد المضافة لمنتجات الشبروقة من مواد حافظة، ملوّنات وأصباغ مصنّعة وغيرها من طعوم وروائح مصنّعة. كل هذه المواد غير الطبيعية والمصنعة أثبِت علميًا أنّ لها تأثيرات مضرة على صحة الإنسان من حساسية، قلة التركيز، سوء المزاج، الحركة المفرطة وغيرها كثير. فهذه الأعراض صارت شائعة عند الأطفال والأولاد من مختلف الأعمار.
ونلفت النظر إلى أمرين مهمّين كل منهما مرتبط بالآخر، الأول وهو أنّ الشبروقة تحلُّ مكان الوجبة الرئيسية في معظم الأحيان، وهذا أمر سمعته من كثير من الأمهات. الأمر الآخر هو أنّ الأولاد الذين تعوّدوا على استهلاك هذه المنتجات وخاصة من عمر صغير يواجهون مشاكل صحية من سمنة وقلة التغذية- لأن الشبروقة لا تحتوي على المقوّمات الغذائية التي يحتاجها الجسم- أو ضعف في النمو وبالتالي مناعة ضعيفة جدًا…
الموضوع طويل جدًا وله الكثير من التشعّبات وهو على قدر عالٍ من الأهمية. اسمحوا لي أن أوجّه رجاءً وليس فقط نصيحة… رفقًا بأطفالكم وأطفالنا… هذا الطفل هو كالإناء الفارغ على كثير من الأصعدة منها الصعيد الغذائي، فهو يمتلئ بما تقدّمه له وما تعوّده عليه. فلمَ نقدّم لهم الشوكولا والشيبس والعصير المعلّب وبعد لم يجاوزوا السنة من العمر؟ هل هذا يسمّى حبًّا؟ هل هذا يسمّى حنانًا؟ أعزائي القرّاء رجائي في المرتبة الأولى ألا تقدّموا الشبروقة للأولاد بتاتًا، وخاصة في المراحل الأولى من العمر. ثانيًا، في حال أردتم شراء الشبروقة احرصوا جيدًا على قراءة المحتويات وتأكدّوا بأنها خالية من الزيوت المهدرجة والغلوتامات أحادي الصوديوم والألوان الحمراء وابتعدوا عن المنتج الذي يحتوي الكثير من العناصر لأنّ الطعام الطبيعي يحتوي عنصرًا واحدًا، كما وأوجّه رجائي للمدارس التي تبيع هذه المنتجات والمشروبات الغازية لأطفال الروضات وغيرهم، أناشد الإدارة بالتغيير والبدء بإدخال البدائل الطبيعية مثل عصير الليمون الطبيعي…
أعزّائي الأهالي، تحضير الحلوى المنزلية من الفاكهة والمكسرات والسكر غير المكرر والعسل الأصلي ليس بالأمر المكلف جدًّا. تستطيعون شراء العناصر الطبيعية والمغذية بالكلفة ذاتها التي تنفقونها لشراء علب البسكويت والشوكولا والعصير شهريًا، ناهيك عن “الخرجية” اليومية التي يأخذها الطفل للشراء من المدرسة أو البقالة. عزيزتي الأم يمكنك أن ترسلي مع ابنك الليموناضة الطازجة والمكسرات النيئة والفاكهة المجففة كالزبيب.█