“دكتورة، حرارتي مرتفعة، هل أوقف الرضاعة”؟ 

“دكتور، أذني ملتهبة وعليَّ أن آخذ دواء للالتهاب، هل أوقف الرضاعة”؟ 

“هل أجرب أن أرضع طفلي الخديج -المولود قبل إتمام 9 أشهر من الحمل-؟ هل في هذا ضرر على حالته الصحية”؟ 

بعض من أسئلة كثيرة ومتنوعة يتعرض لها أطباء الأطفال بشكل متكرر. وقد يختلف الجواب أحيانًا اعتمادًا على ما يفضله الطبيب المسؤول شخصيًا وموقفه من أهمية الرضاعة، وليس بناء بالضرورة على حقائق علمية مثبتة فحسب.  

الرضاعة الطبيعية، مع أهميتها التي لا يختلف فيها عالم ولا جاهل، لا تلقى الدعم أو التوعية الكافية في بلادنا، فلا يتم الحديث عن خطط الأم المستقبلية بالنسبة لالتزامها بالرضاعة الطبيعية أو عدمه، وقلَّما تُشجع الأم على ذلك من قِبَل أطباء الولادة بشكل بنَّاء وابتداء من الزيارات الأولى لطبيبة النساء والولادة في أول مراحل الحمل. في الوقت عينه، يتنافس كثير من الأطباء في بلاد أخرى بالحديث عن هذا الأمر وإطلاع الأم على أهميته ومنافعه لها ولطفلها على حد سواء. ويتخطى الموضوع الحديث والتشجيع إلى التخطيط والتهيئة العملية لعملية الرضاعة الطبيعية، فيتم مثلًا الكشف على شكل حلمة الصدر، وتعطى إرشادات على كيفية تهيئة الثديين للرضاعة، وغير ذلك، مما يساهم في إنجاحها لعدة أسباب، منها:

1-الكشف عن بعض الخلل في شكل حلمة الثدي والتي يمكن أن تعالج بطريقة بسيطة خلال الحمل لتكون جاهزة حين الولادة. مثال على ذلك حين تكون الحلمة مقلوبة إلى الداخل جزئيًا دون التصاقات داخلية دائمة تمنعها من البروز، ففي هذه الحالة تُعَلَّمُ الأم بعض حركات التدليك واستعمال أدوات بسيطة تعتمد على الضغط والشفط المعاكس، خاصة في الأشهر التي تكون فيها أنسجة الصدر في طور التمدد كجزء طبيعي من الحمل، مما يحرر الحلمة ويجعلها متاحة للطفل ويزيد فرص نجاح عملية الرضاعة الطبيعية. حين يغفل الكثير من الأطباء عن هذا الأمر، وفي غياب الحديث والتوعية عن أهمية الرضاعة الطبيعية والمشاكل التي قد تواجه المرضع مما يجعلها قليلة الاطلاع على هذه الأمور، نجد الكثير من الأمهات يفشلن في إرضاع أطفالهن بسبب مشاكل كان حلّها ليكون بسيطًا لو تم تدارك المشكلة مسبقًا.

2-كون الأم في موقع تعرف فيه ما ينبغي لها أن تتوقعه خلال عملية الرضاعة الطبيعية، فتكون على دراية وأكثر ثقة بقدرتها على التعامل مع المستجدات. فتتوقع مثلًا أن يتشقق صدرها واحتمال الإصابة بالتهاب الثدي الذي قد ينتج عن انسداد في قناة أو أكثر من مجاري الحليب. إثر هذه المعرفة، يمكن للأم أن تبدأ بتحضير ثدييها بوضع بعض الكريمات المرطبة التي تحدُّ من التشققات. كذلك تتعلّم كيف يكون شكل التهاب الصدر وعوارضه، وما الذي عليها أن تفعله حين تشعر ببدايته كي لا يتفاقم. ومن ذلك وضع كمادات ماء فاتر على صدرها وتدليكه إلى الأسفل لمحاولة إزالة انسدادات بسيطة في مجرى الحليب ريثما تتلقى علاجًا مناسبًا إن اضطرها الأمر لذلك.   

3-تَعَرُّف الأم على الأوضاع المختلفة التي يمكن أن تستعملها أثناء الرضاعة لكي يرضع الطفل دون إزعاج لكلـيهما. وهذا يتضمن أوضاعًا خاصة بمن أُجريت لهن عملية الولادة القيصرية. تشكل هذه الخطوة تحديًّا كبيرًا للأمهات الجدد. في كثير من الأحيان، يُترِكُ أمر الإرشاد والتوعية بكيفية الإرضاع إلى الممرضات بعد الولادة، وبطبيعة الحال، فإنهن يهتَممن بأكثر من مريضة واحدة في نفس الوقت، وقد لا يتسع وقتهن لإعطاء كل مريضة الوقت والاهتمام الخاص للتوعية بهذا الأمر فوق اهتماماتهن بأمور الرعاية الصحية الأخرى لجميع مريضاتهن.   

4-معرفة وضع فم الطفل الصحيح على ثدي أمه لضمان الرضاعة الفعالة في إدرار الحليب، وتجنب إدخال الهواء أو إجهاد الطفل بحركات المص المتكرر القليل الفعالية. فحين نعطي الطفل الرَضَّاعة الجاهزة يكون الحليب له متوفرًا دون أن يجهد كثيرًا، وهذا يحدد كيف يتقبل الطفل عملية الإرضاع، ويجعل في كثير من الأحيان تقبله لصدر أمه قليلًا.

5-فهم طبيعة عملية الإرضاع، وكيف أنه في البداية لن يكون الحليب المتوفر للطفل كثيرًا إلى أن يدر الحليب بعدها بشكل كاف. مما يساهم في إدرار الحليب كثرة العرض والطلب، فكلما تمرن الطفل على الرضاعة ولو لم يأخذ كفايته، شعر الجسم بأهمية إفراز كمية أوفر من الحليب، وبذلك يزيد التدفق تدريجيًا. هناك أيضًا أطعمة ومشروبات تساهم في زيادة إدرار الحليب. من المهم أيضًا التعرف على علامات الجوع والشبع عند الطفل لكي تحاولي أن تتبعي وتيرة الطفل بطلب الطعام. لا تحاولي تنظيم برنامج معين في الأسابيع القليلة الأولى، فهذا يحتاج إلى وقت وتعود من قبل الطفل والأم على حد سواء.  

6-إن كنتِ أمًّا عاملة فستضطرين إلى ترك صغيرك بعد فترة قصيرة، ابدئي بالتخطيط للوقت الذي ستكونين فيه بعيدة عن طفلك مع رغبتك باستمرار إطعامه من حليبك. استغلي فترة إدرار الحليب الكثيفة في الأيام الأولى لتخزني بعض الحليب في الثلاجة، واشتري آلة لجذب الحليب تأخذينها معك إلى مكان عملك لتجذبي الحليب وتخزنيه بشكل آمن. قومي بجذب الحليب بنفس عدد المرات التي كنت ستطعمين بها طفلك لو كان معك، أو على الأقل كل 3-4 ساعات. حين تجتمعين بطفلك مجددًا، أرضعيه من ثديك، وبذلك تكونين قد أمّنت له طعام اليوم التالي خلال وقت غيابك.

من المهم أن نتذكر أنّ الساعات القليلة الأولى في حياة الطفل تؤثر كثيرًا على إنجاح الرضاعة الطبيعية أو فشلها، ذاك أن الطفل يعتاد ما نُعَوِّدُه عليه ويظهر تفضيلًا لشىء دون آخر في هذه المرحلة. لذلك، كلما تسلّحت الأم بالمعرفة أكثر، وكلما صب الأطباء اهتمامهم أو حتى بدؤوا بالحديث عن هذا الأمر مع الأمهات، أصبحت فرص نجاح الرضاعة الطبيعية أكثر. لذلك عزيزتي الحامل التي تنتظر مولودًا جديدًا، أو الأم التي ترغب بتجربة الرضاعة الطبيعية مرة أخرى بعد فشل سابق، تكلمي عن المواضيع التي ذكرناها سابقًا مع طبيبتك. اجعلي موضوع التهيئة للرضاعة شيئًا تتحدثين به في كل زيارة لطبيبتك قبل الولادة، وأوضحي رغبتك بإنجاح الأمر مطالبة بالنصح والإرشاد في كل مرة. طالعي المصادر الموثوقة لتتعلمي أكثر عن الموضوع، وفكري أنه غالبًا ما تحدد الساعات الثماني والأربعين الأولى طبيعة علاقة الرضاعة بين الأم والطفل. فالصبر مع الإلحاح والالتزام في بداية الأمر، وبغياب الأسباب الطبية الأخرى التي قد تمنعك من الإرضاع، غالبًا ما ينتج عنه نجاح جميل في الرضاعة الطبيعية.

ترقبوا في العدد القادم:

ما هي الموانع الطبية التي قد تضطر معها الأم لعدم الإرضاع؟

ما بعد الفطام: ماذا أفعل؟ وماذا يفعل غيري؟ أيهما أفضل؟

تابعونا!█