ما إن نبدأ بفهم الخطاب حتى ينهال علينا سيل من العبارات: “هل رأيت يا ولدي كيف يأكل رفيقك؟ أريدك أن تأكل أكثر منه”، “أريدك أن تكون الأول في صفك”، “أريد أن أراك بأعلى المراتب”، وهكذا عند كل مناسبة ومع كل مفصل من مفاصل حياتنا تزرع فينا المنافسة. 

لكن في خضم دعوات المنافسة التي تنطوي على مسعى التحفيز لدفع الشخص لبذل أفضل ما يمكنه من أجل تحقيق تقدم أو إنجاز ما، يكمن العديد من أبواب الأخطار، فالإفراط في دفع الطفل أو الشاب ليكون في المركز الأول في مجالات شتى بما لا يتناسب مع إمكانياته قد يضعه تحت ضغط لا يطيقه، مما يهدد بأن يقع الشخص في حالة من الاكتئاب ولوم النفس دون حاجة، وقد يجره إلى ما هو أبعد من ذلك مما لا تحمد عقباه، ناهيك عن أن المنافسة في أمور الدنيا قد تؤدي بصاحبها للحسد أي كراهية النعمة التي يراها في أخيه المسلم وتمني زوالها عنه، وقد يعمل بمقتضى هذا التمني ويؤذي أخاه، فالحذر الحذر من أن نصل إلى زرع الحسد والأنانية في نفوس أبنائنا وإخواننا، فإن هذه الخصال وبالها عظيم وهي مفتاح من مفاتيح أبواب الشرور، وهي قد تكون نتيجة ما يتوهم البعض بأنه يصب في مصلحة وتحفيز أبنائهم، والحسد والأنانية خلاف ما علّمنا إياه رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فسيرة الرسول الأعظم وأصحابه الأعلام زاخرة بمعاني الإيثار أي تفضيلك أو تقديمك أخاك على نفسك فيما رزقك الله.

أما من أراد أن يزرع المنافسة في نفوس أبنائه وإخوانه، فليكن هذا الزرع هادفًا بأن تكون المنافسة في مجال الخير، فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾ سورة المطففين. فالتنافس على الخير أمر محمود في شرع الله، ومن ثمرته أن يعُم الخير بإذن الله، فلو تنافسنا فيما بيننا بالإحسان إلى الفقراء والأيتام طلبًا لرضا الله، كما كنا قد ساهمنا في سد حاجات المعوزين والمكسورين من المسلمين، والتنافس في أبواب الخير ينظر فيه لإمكانيات فاعل الخير، فلقد ورد في الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “سَبقَ دِرهَمٌ مائةَ ألف“، قالوا: يا رسول الله وكيف؟ قال: “رجلٌ لهُ دِرهمَانِ -أي لا يملِكُ غَيرَهُما- فأخذ أحدَهما فتصدّق به ورجلٌ له مالٌ كثيرٌ فأخذَ مِن عُرضِ مَالِهِ مائة ألف فتصدَّق بها” رواه النسائي.

لذا يا أخي لا تدع بابًا للخير إلا وادخل منه على قدر استطاعتك، ففعل الخير هو مضمار التنافس فيما بيننا. █