الـحـمـد لله رب الـعالـمـيـن والـصـلاة والسلام على سيدنا محمد سيّد الأولين والآخرين.
وبعد فهذه الدنيا أعزائي مَثَلها مَثَل الجيفة يتقاتل عليها من اغتر بها، ولكن من نظر إليها النظر السليم واعتبر بقصص مَن مرّ مِن الصالحين والطالحين علم أنها ليست لأحد موطنًا فاتخذ منها صالح الأعمال سُفُنًا.
وقصتنا اليوم فيها عبرة لمن اعتبر وتذكرة لمن شاء أن يتذكر، فقد رُوي أنَّ عيسى ابن مريم عليه السلام صَحِبَهُ رجل وقال: يا نبي الله أكون معك، فانطلقا فانتهيا إلى شاطئ نهر فجلسا يتناولان طعام الغداء ومعهما ثلاثة أرغفة فأكلا رغيفين وبقيَ رغيف فقام سيدنا عيسى عليه السلام إلى النهر فشرب منه ثم رجع فلم يجد الرغيف فقال للرجل: من أخذ الرغيف؟ قال: لا أدري، فانطلق ومعه الرجل فرأى ظَبية -غزالة- ومعها ولدان لها فدعا واحدًا فأتاه فذبحه وشوى منه فأكل هو وذلك الرجل ثم خاطب عيسى عليه السلام الظبي بعد أن ذبحَهُ وأكلا منه وقال له: قم بإذن الله عز وجل فقام، فقال للرجل: أسألُكَ بالذي أراك هذه الآية -أي المعجزة- من أخذ الرغيف؟ قال: لا أدري، فانطلقا حتى انتهيا إلى مَفازَة -فلاة- فجمع عيسى عليه الصلاة والسلام تُرابًا وكثيبًا -أي رملًا- ثم قال له: كُنْ ذهبًا بإذن الله عز وجل، فصار ذهبًا، فقَسَّمَهُ ثلاثة أقسام فقال: ثُلث لي وثُلث لك وثُلث للذي أخذ الرغيف فقال: أنا الذي أخذتُ الرغيفَ، فقال له سيدنا عيسى عليه السلام: كُلُّه لك وفارقه.
فانتهى لهذا الرجل الذي أخذ الذهب رجلان أرادا أن يأخذا منه الذهب ويقتلاه فقال لهما: هو بيننا أثلاثًا فقبلا ذلك فقال: يذهب واحد إلى القرية حتى يشتري لنا طعامًا فذهب واحد واشترى طعامًا وقال في نفسه: “لأي شىء أقاسمُهما في هذا المال؟ أنا أجعل في هذا الطعام سُمًّا فأقتلُهما وآخذُ هذا المال جميعه فجعل في الطعام سُمًّا”، وقالا هما فيما بينهما: “لأيّ شىء نجعل له الثلث؟ إذا رجع إلينا قتلناه واقتسَمْنا المال نصفين”، فلما رجع إليهما قتلاه ثم أكلا الطعام المسموم فماتا، فبقي ذلك المال، بقي الذهب في المفازة وأولئك الثلاثةُ قتلى عنده، فمرّ عليهم عيسى عليه الصلاة والسلام وهم على تلك الحال، فقال لأصحابه: “هذه الدنيا فاحذروها”.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك.
والله تعالى أعلم وأحكم.█