الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين سيدنا وحبيبنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وإن هذه الأمة لا تقوم من هذه الكبوة العظيمة الشديدة التي هي فيها إلا بقلوب صادقة وأعمال صالحة يتقبلها الله عز وجل. والقلب لحمة صغيرة ومضغة ضئيلة تدور عليها سعادة الأمة، هذه المضغة إذا صلحت صلح كل الجسد، وإذا فسدت فسد كل الجسد.

أهمية صلاح القلوب

الله تعالى جعلَ للإنسان أعضاء تُسمى الجوارح، وسلطان هذه الأعضاء هو القلب الذي بصلاحه صلاحُ الجسد وبفساده فساد الجسد، فعن النعمان ابن بشير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ألا وإنَّ في الجسدِ مضغة إذا صَلحت صَلحَ الجسدُ كله، وإذا فسدت فسدَ الجسدُ كُله، ألا وهي القلب” رواه البخاري ومسلم، وإنما كان كذلك لأنه أمير البدن وبصلاح الأمير تصلح الرعية وبفساده تفسد، وإذا زهد الملك وكان أمينًا زهدت الرعية وكانت أمينة.

فهذا القلب هو محل المعتقد وبه يتصف صاحبه بالطيبة أو الخبث. والقلوب أوعيةٌ وهي تختلف بين الطّيبة والقساوة والرقة واللين والغلظة، ولذا جاءت النصوص على الاهتمام بالقلب وتنقيَته من الحسد والغل والحقد، بل هو علامة حسن حال الإنسان يوم القيامة حيث من يأتي بالقلب السليم من الكفر والشرك فهو الناجي في ذلك اليوم.

والقلب وعاءُ التقوى الذي أشار إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وهو يقول: “التقوى هَهُنا” رواه أحمد، فدلَّ ذلك مجتمعًا على أن الجوارح ترجمانُ القلب فإن استقام استقامت وإن زاغَ زاغت وإنما سُمّي القلب باسمه هذا لكثرة تقلّبه فهو أشدُ تقلبًا من الماء في القِدْر حالة الغليان.

واجبات القلب

وللقلبِ واجباتٌ ينبغي معرفتها، وأعلى هذه الواجبات القلبية هو الإيمانُ بالله وبما جاء عن الله والإيمان برسول الله وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أعمال القلوب الواجبة أيضًا:  

– الإخلاص لله تعالى بالعمل وهو أنَّ يقصدَ المسلم مرضاة الله تعالى في أعمال البِرّ.

– الندم على المعاصي.

– التوكل على الله.

– المراقبة لله وهي استدامة خوف الله تعالى بالقلب بحيث يحمله ذلك على أداء الواجبات واجتناب المحرمات.

– الرضا عن الله وهو ترك الاعتراض على الله تعالى.

– تعظيم شعائر الله تعالى.

– الشكر على نِعَمِ الله تعالى وهو

عدم استعمالها في معصية.

– الصبر على أداء ما أوجب الله تعالى، والصبر عما حرَّم الله تعالى وعلى ما ابتلاك الله به.

– بغض الشيطان والمعاصي.

– محبة الله وكلامه ورسوله والصحابة والآل والصالحين.

معاصي القلب

ثم إنه يصدر من القلب أيضًا معاصٍ لا بدّ من تجنّبها حتى يكون القلب صافيًا نقيًّا من الذنوب ومنها:

– الرياء بأعمال البِرّ وهو العمل بالطاعة لأجل أن يمدحه الناس، وهو يُحْبِط ثواب الطاعة التي قارنها.  

– العجبُ بطاعة الله تعالى وهو أن يُعجَبَ الإنسان بطاعاته بحيث يرى أنها صادرة من نفسه وينسى مِنَّة الله عليه وأنَّ الله هو الذي أقدره وأعانه عليها فيرى ذلك مزية له.

– الشك في الله تعالى أي الشكُ في وجودِه أو قدرته أو وحدانيته أو حكمته وعدله أو في علمه سبحانه وتعالى، أو غير ذلك من صفاته الواجبة له إجماعًا فالشك في القلب يَضرُّ بالعقيدة ما لم يكن مجرد خاطر، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ سورة الحجرات/15، أي لم يَشُكُّوا، فدلّت الآية على أنّ من شَكَّ في وجود الله أو قدرته أو نحو ذلك ليس بمؤمن وأن الإيمان لا يحصل إلا بالجزم وأنّ التردد ينافيه وهذا معدود من الكفر الاعتقادي الذي يحصل في القلب.

– الأمن من مكر الله وهو أنّ يسترسِل في المعاصي مُعتمدًا على رحمة الله تعالى.

– القنوط من رحمة الله وهو أن يُسيء الظنَّ بالله فيعتقد أنّ الله لا يغفر له ألبَتَّة وأنه لا مَحالة يُعذَّب.

– التكبر على عباد الله وهو ردُّ الحق على قائله واستحقار الناس.

– الحقد وهو إضمار العداوة للمسلم والعمل بمقتضى ذلك.

– الحسد وهو كراهية النعمة للمسلم واستثقالها عليه وعمل بمقتضاه تصميمًا أو قولًا أو فعلًا.

– المنُّ بالصدقة وهو أن يُعَدِّد نعمته على آخذها حتى يكسر له قلبه أو يذكرها لمن لا يحب الآخذ اطلاعه عليها وهو يحبط ثواب الصدقة.

– الإصرار على الذنب وهو أن تغلب سيئاته طاعاته فيصير عددها أكبر من عدد طاعاته بالنسبة لما مضى.

– سوءُ الظن بالله وبعباد الله بغير قرينة معتبرة كأن يُسرق له مال فيظن أن السارق فلان بغير قرينة تدل على ذلك.

– التكذيب بالقدر وهو كفرٌ والعياذ بالله وهو أن يعتقد العبد أن شيئًا من الأشياء يحصلُ بغير تقدير الله.  

– الفرح بالمعصية منهُ أو من غيره.

– الـغـدرُ والـمـكـر وهـو إيـقـاع الـضـرر بالمسلم بطريقة خفية.  

– والبخل بما أوجب الله كالذي يَبْخلُ بدفع الزكاة الواجبة وغيرها.

فإذا علمتَ هذه المعاصي فاحرص على البُعد عنها ونقِّ قلبك منها تكن منورَ القلب، طيبَ النفس صاحب قلب أبيض صافٍ، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾ سورة الرعد.

أخي المسلم… عليك أن تصفّي قلبك وتنقّيه من الغل والحسد وأمراض القلب، واستعنْ بالله تعالى وتضرع إليه وأَكثِرْ من ذكره وادع الله أن يقويك على طاعته، وتمسّك بكتاب الله وسنة رسوله في النية والقول والفعل، واجلس في مجالس علم الدين وصاحب الصالحين، وردّد دائمًا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “يا مقلبَ القلوب ثَبِّتْ قلبي على دِينِك” رواه البخاري.

والله تعالى أعلم وأحكم.█