يتخبّط الإنسان المضطرب خبط عشواء في الحياة. فيتقاذفه الشك يمنة ويسرة ويسوقه الفشل في حياته العلميّة والعمليّة لأنّ اتخاذ القرارات أمر رئيس فيهما، أمّا هو فبعيد عن ذلك لذا ينقاد للشّكّ ويصبح تبعًا للضياع والفوضى. 

وللغوص بشكل أعمق دعنا عزيزي القارئ نتفكّر في دلالات ضعف الثقة بالنفس ثم بعدها في الوسائل العلاجية لذاك الاضطراب.

سمات غياب

الثقة بالنفس

 أ‌. الخوف والقلق

وهما الحجر الأساس حيث يتعرّض المضطرب لنوبات خوف وقلق أو ما يسمّى بنوبات “ضعف الثقة بالنفس” كلّما قام بعمل ما. ويواكب النّوبات تلك: العزلة والندم والصمت وتسارع في نبضات القلب واحمرار في الوجه والخجل. كما يغلب عليه الوهم ظنًّا بنفسه أنه “غير ملائم” بالإضافة إلى الخوف من رأي الآخر به. فيعيش المضطرب مع القلق ذاك فيقوده إلى الإحباط لفترات طويلة.

 ب‌. الإحباط

يجد المضطرب صعوبة في تواصله مع الآخرين كالبدء بمحادثة أو المشاركة بأخرى والسعي لمنصب أفضل من الحالي والمحافظة على العلاقات الشخصية أو محاولة القيام بنشاطات جديدة.

 ج‌. الإحساس المرهف

ينتج اعتقاد المضطرب بأنّه غير مؤهّل للعديد من الأمور اعتقادًا آخر ألا وهو ظنّ رفض الآخرين له واستغلالهم وعدم احترامهم له، وهي وهميّة في الأصل! لذا يصبح المضطرب مرهف الإحساس.

 د‌. التيقّظ

يعمد المضطرب إلى التيقّظ لأقوال الآخرين -ذوي الثقة الظّاهرة- وأفعالهم في مواقف يعجز هو عن التّعامل معها ليقتبس منهم ما يقال ويفعل. لكن المواقف دائمًا تتجدّد. فيجد نفسه مرّة أخرى عاجزًا عن التكيّف مع  الجديد فيعود القلق والخوف ليسيطرا عليه.

 

 هـ‌. الشك

التيقن من الأمور لاتّخاذ قرار يتطلّب جرأة، وهي من صفات المضطرب الغائبة. لذا تراه دائمًا بقدراته مشكّكًا وقلقًا من إزعاج الآخرين فيؤدي بحسب ظنّه إلى رفض صحبته فيعمد بالنتيجة إلى العزلة والصمت إلى حدّ قد يوصله إلى الغضب. فيتولّى الغضب زمام الدّفة قائدًا بالمضطرب إلى العدائيّة والفظاظة بل وحتى العنف.  

 و‌. النجاح والفشل

من العجيب أنّ غياب الثقة بالنفس قد يؤدّي إلى التميّز ليس النجاح فحسب. حيث يقود الغضب بسبب العجز والخوف من رفض الآخرين بالمضطرب إلى التميّز ليثبت عكس الأمور.  

لكن غالبًا ما يفشل المضطرب في الحصول على عمل جيّد مثلًا لاعتقاده أنّ السعي إليه مؤدّاه الفشل فالرفض فالإحباط. كما تجده لا يلجأ إلى مساعدة الآخرين لظنّه أنّهم سيعتقدون به الضعف.

 ز‌. الإدمان

لتحصيل الراحة الداخلية عن الذات يعمد المضطرب غالبًا إلى الإدمان على المخدّرات أو الكحول. كما أنّه قد يدمن على العمل لأنّ المهام المطلوبة منه هناك بيّنة الوضوح. فيؤدّيها كما هي ويحسّ مع ذلك بالأمان الذي يفتقده في علاقاته مع الأشخاص لأنّ جوانبها خفيّة تنكشف مع الأيام وتأقلمه هو مع الجديد معدوم.

وبعد نبذة عن سمات المضطرب نأتي عزيزي القارئ إلى العلاج.

العلاج

أ‌. الحقيقة

ليثق المضطرب بنفسه لا بدّ أن يتصرف ويتكلّم بلسان حاله لا غيره. ليكن كما هو ولا للادّعاء بأنّه شخص آخر ليرضي الآخرين. وليختر الأخلاق السامية دربًا لأنها تزيّن صاحبها وتكسبه الرضى بالذّات.

 ب‌. الاقتناع

“لا” هي الأداة التي نستعملها للتواصل مع أيّ رأي أو كلمة أو اعتقاد يخالف من نحن. فإذا ما اعتمدها المضطرب تلافى قول وفعل ما لا يطمح إليه. لأنّ العديد من الأمور التي سيقوم بها بعيدًا عن اقتناعه تواكب كل “نعم” يقولها من دون أن يقصدها حقيقة. لذا ليتكلّم المضطرب بالأمور كما هي مع الابتعاد عن الفظاظة والوقاحة.

 ج. الخطأ

نحن بشر عاديون فالخطأ وارد إذًا. وأحيانًا من الخطأ يتعلّم الإنسان الصواب. وعندما يقوم الإنسان بالعمل الصائب تزداد ثقته بنفسه تدريجيًّا لكونه عندها -وعند أهل الطباع السليمة- بعيدًا عن مرمى الانتقاد الهادم. ومن الخطأ كذلك قد يتعلّم الإنسان أن يأتي بخطوات مهارة ما أو حرفة بدقّة فتزيد بذلك ثقته بنفسه.

 د. المسؤوليّة

إذا خذل المضطرب آخر فليعمد إلى إصلاح الموقف كي يحجب القلق ويمنعه من السيطرة.

 هـ‌. مساعدة الغير

الـتصدّق عـلى الـفـقـراء ومـسـاعـدة الأيتام وعون المحتاج تضفي على المرء شعورًا من السعادة. فليعط المضطرب بلا مقابل ويخرج عن دائرة الأنا.

 و‌. اليقين

لتلافي الشك والعجز ليتعلّم المضطرب كيفيّة القيام بالأمور. فإذا أراد أن يحضّر الشاي مثلًا ليتعلّم الخطوات ثمّ يطبّقها فينجح بمهارة حياتيّة بسيطة. وينتقل بعدها بالتركيز على الأمور المهمّة ثم إلى غيرها بنجاح وبتراتبيّة من السهل إلى التحدّي.

 ز. المحيط

ليُحِطْ المضطرب نفسه بالناس الجيدين الذين يمدّون يد العون بالمقترحات الهادفة والحلول. عندها يواكب التّحفيز والنجاح وينعكسا “ثقة بالنفس”.

عزيزي القارئ إنّ الثقة بالنفس تتجاوز كيان الإنسان لتصل إلى الوطن. بها يصير قائدًا كالأبوين في المنزل والوالد في العمل… فلنساعد على بناء ثقة متينة لأنّها إن غابت…█