كان يمسك بيد أمه فرحًا يعد نفسه بالذهاب إلى تلك الحديقة حيث يلهو ويلعب… له هناك أصحاب يحب تمضية الوقت معهم… هناك عمر ومحمد وغيرهم. كان يصطحب معه كرته المفضلة ويحلم كيف سيركض وراءها هو ورفاقه… وكانت المفاجأة… المكان الذي وصل إليه ليس حديقته المفضلة… بل كان مكانًا غريبًا عليه… دخل من باب كبير ثم اصطحبته أمه إلى إحدى الغرف لتعرّفه على معلمته وصفّه… كانت المدرسة التي يدخلها للمرة الأولى. وبدأت دموعه تنهمر حين علم أن أمه ستتركه هناك وترحل…
هي كانت أخبرته سابقًا أنها ستأخذه إلى مكان يفرح فيه ويمرح… وأنه سيتعرّف على أطفال في مثل سنه، سيلعب معهم ويتعلم أشياء جديدة وجميلة. تساءل، أين هم هؤلاء الذي وُعد برؤيتهم؟ أمسكت المعلمة بيده وصارت تخاطبه بلطف وتقول له إنها ستلعب معه بكرته الصغيرة، وسينضم إليهم أطفال في مثل سنه وسيقضون مع بعضهم أوقاتًا جميلةً وسيفرحون ويلعبون…
كانوا يقولون إن المعلمين قادة إن أحسنوا القيادة… وإن عرفوا كيف يجذبون حب طلابهم واهتمامهم. من خصائص المعلم الناجح أن يعرف كيف يملك انتباه طلابه لحصة كاملة دون أن يشعروا بالملل. المعلمون قدوة للمتعلمين، بعض الدول تنفق على تدريب المعلمين عندها الأموال الطائلة… تدرّبهم على أشياء كثيرة ومنها كيف يُوجّهون طلابهم ويزرعون في رؤوسهم الأفكار التي يريدونها… كثر هم الناس الذين عملوا في هذه المهنة فقط لوضع أفكار معينة في عقول طلابهم… هم قادة في ثياب معلمين، ويقودون الأطفال والشباب إلى حيث يريدون. إن كان المعلم من أهل الخير قاد طلابه لما يؤمن به من المفاهيم الطيبة النبيلة… وإن كان ضالًّا يقود أبناء الناس وبناتهم إلى ضلاله… والموفّق إلى الخير من ينجو من خبثهم وشرّهم…
المعلم الصالح من يعلّم الشباب سبل نجاتهم من الأخطار التي تحدق بالمجتمع قبل تعليم الرياضيات والكيمياء والفيزياء وغيرها… قبل هذا يقوم المعلم الصالح بتربية نفوس أبناء المسلمين على الإيمان بالله والالتزام بتعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن وجد في أحدهم ميلًا للإحسان أعانه على الثبات على ما هو عليه… وإن وجد عنده انحرافًا قَوَّمَ انحرافه وقاده إلى السبيل القويم…
هؤلاء المعلمون قادة صغار قد يتخرج من عندهم قادة كبار… يكون لهم في المستقبل شأن في إدارة البلاد وقيادتها…
الشيخ معلم أيضًا، من الشيوخ من يُعلِّم الحق والصواب… ومنهم المنحرفون الدجالون، لكن يملكون ألسنة وكلمات تجذب أصحاب العقول الضعيفة… فينساق وراءهم بعض الجهال دون تفكير وبدون وعي لحقيقة دعواهم الباطلة… كثيرون هم الذين انقادوا وراء مشايخ الضلالة وانحرفوا وقادوا البلاد إلى ما لا تحمد عقباه…
التربية الصحيحة التي تكون على أساس شرعي تعطي للبلاد رجالًا صالحين يقومون بالنهوض بالبلاد إلى الخير والصواب… الخلفاء الراشدون كانوا أفضل قادة… عملوا بتواضعهم على نشر دين الله في أقاصي الدنيا… وغيرهم من الأبطال كصلاح الدين ومحمد الفاتح وكثيرين غيرهم أناروا الدنيا بأعمالهم الصالحة. هؤلاء نذكرهم وتفرح قلوبنا بذكرهم ونتمنى أن نرى أمثالًا لهم يقودون أمة المسلمين إلى ما يُرضي الله ويُرضي رسوله صلى الله عليه وسلم…
لنربي أولادنا التربية الصالحة التي تعلّمناها من شرعنا الحنيف… ابحثوا عن المعلم المخلص ليعينكم على تربية أحباب القلوب، لا تتركوهم بين أيدي من لا يخافون الله بحجة أنكم تريدون لهم التفوّق في علوم الدنيا… إن كان ولدك مهندسًا ناجحًا أو طبيبًا متفوّقًا وهو جاهل بدينه، تُرى ماذا استفاد؟ أرسلوه إلى من يعلِّمه أن يكون ناجحًا في أمور دنياه مع التزامه بدينه وأخلاقه…
ازرعوا في نفسه أنه قد يكون يومًا قائدًا كصلاح الدين… علّموه طريق النجاح في الدنيا والآخرة…
الدنيا لن تخلو من مثل هؤلاء الأبطال… لعلّ ولدك يكون أحدهم…█