إن القيادة صفة لا تعطى بسبب موقع وظيفي أو امتلاك مال أو تسلّم منصب رأس الهرم في منظمة ما، فالقيادة صفة يكتسبها الفرد بفعل أدائه وليس بفعل مسمّياته.
فالقائد يبرز من بين الجموع بسبب جملة من الصفات تمكّنه أولًا من اكتساب ثقة من حوله، فمن المعروف أن من لا تثق بقيادته لا تعمل تحت إمرته، واكتساب الثقة يمر في مسار طويل من التجارب التي تُظهر قدرات القائد بالتعاطي مع الأحداث، فالقائد هو من يثبت عند الشدائد ولا يُصيبه الجزع والهلع، وهو من يستوعب الصدمة الأولى ويعمل على توجيه من معه نحو المسار القويم بسلوكه أولًا وبأقواله ثانيًا للعبور بهم نحو شاطئ الأمان، فالقائد هو من يُقدم دون تهور حين يُحجم الآخرون ويبذل ما يستطيع بغية الحفاظ على من معه ولا يتخلّى عنهم بسبب ضغط أو تهديد، فحين المواجهة هو في الصفوف الأولى بين رجاله ومن معه ليشد أزرهم ويحفزهم للإقدام والثبات، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم نِعْم القدوة، فعن علي رضي الله عنه أنه قال: “كنا إذا احمرّ البأسُ ولقي القومُ القومَ، اتَّقَيْنا
برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه” رواه أحمد، ولا بد للقائد من أن يتسلّح بالعلم وكلما استفاض بأنواع العلوم ازدادت بصيرته بإذن الله، فعلم الدين يرشد إلى الصراط المستقيم وكلما اجتمع معه علم من العلوم الدنيوية زاد اطلاع القائد ومعرفته.
وبالتكامل مع ما سبق، فالقائد كلما اقترب من الناس ازداد التفافهم حوله، فلا بد للقائد من التواضع، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الله أوحى إليَّ أن تواضعوا“، وقال: “وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله” رواهما مسلم، ومن علامات التواضع وحسن العشرة مجالسة الفقير والغني، والإنصات للكبير والصغير ولكل من جاء ملهوفًا يطلب العون والإغاثة، والقائد إذا وعد وفى وإذا حدّث صدق، فمن وعد ولم يفِ وحدَّث فكذب لا يرضى بقيادته صاحب فهم سليم.
كثيرة هي صفات القائد ولن نحيط بها ببضعة أسطر لكن ما سبق ذكره من خصال هي من أبرز صفات القائد، والقادة هم قلة قليلة يقابلهم جمع كبير من الأتباع، والاتِّباع أو الانقياد هو قرار واختيار يعتمد على الاقتناع غالبًا، فلا يجتمع الانقياد والتشكيك بالقيادة والتصويب على قراراتها وانتقاد سلوكها في معظم المجالات بغير وجه حق، فهل من السوي أن تكون على متن سفينة ترجو أن تُقلك إلى شاطئ النجاة وأنت تزرع فيها الثقوب من كل حدب وصوب؟!!!
في الختام إن من أبرز علامات الانقياد التطاوع مع قرارات القائد أو القيادة لتحقيق الصالح العام، أما من يظن أن قرارات القائد تعسفية، ومعاييره استنسابية، وأن حوله حاشية محظية، كيف يبقى في كنف هكذا قيادة؟ وكيف يسكت عنها؟! ولماذا لا يبذل النصح ويجاهر بما يراه الأصوب عند أصحاب القرار؟ فالأمين والشجاع هو من يقول كلمة الحق ولو بوجه سلطان جائر، أما من يسلك سلوك التشكيك والتنفير انسياقًا لأهواء نفسه الأمّارة بالسوء فهو كمن يهدم بيته وهو فيه…█